من كورونا إلى أوكرانيا هل هناك مؤامرة؟
يعاني العالم من ويلات فيروس كورونا إلي الحرب الروسية-الأوكرانية
هل نعذر الكثير من الناس فى كل مكان بالعالم حينما يعتقدون أن هناك مؤامرة كونية متكاملة لإغراق العالم بالمشكلات المتنوعة التى يدفع ثمنها الفقراء؟!
على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة أطالع قصصا وفيديوهات تعتقد أن هناك مؤامرة.
هذا الاعتقاد ليس قاصرا فقط على البسطاء وأنصاف المتعلمين، بل إن هناك من يؤمن به من المثقفين وما يمكن أن نطلق عليهم النخبة.
قبل أيام قليلة قابلت سيدة متعلمة تعليما راقيا، وقالت لى بوضوح إن «الكبار» اختلقوا حكاية فيروس كورونا لكى يشغلوا به العالم، ويبيعوا منتجاتهم الصحية وعقاقيرهم ولقاحاتهم للدول الفقيرة والنامية. وحينما انتهت اللعبة واكتشفها العالم، كان لابد من اختراع لعبة جديدة. فجاءت قصة أوكرانيا، وهكذا بدأت كورونا تتراجع، فى حين صارت أوكرانيا فى الصدارة.
استغربت منطق هذه السيدة، لكن المفاجأة لم يكن كلامها، بل إننى سمعته مع اختلاف الصيغة من أشخاص يفترض أنهم مثقفون جدا، أما المفاجأة الأكبر فكانت وجود علماء كبار فى دول مختلفة ما يزالون يصرون على أن كورونا اختراع لإشغال العالم.
لا أملك معلومات سرية، ولست عضوا فى «مجلس إدارة العالم، وبالتالى لا أدعى المعرفة أو حسم مثل هذه القصص، لكن وإلى أن نجد أدلة دامغة على وجود هذه المؤامرة فلا أملك إلا تصديق الأمور الفعلية المنطقية المتاحة أمامنا».
ربما تكون هناك مؤامرة، وربما تكون إحدى الدول الكبرى أرادت إغراق العالم فى هذه المشكلة غير المسبوقة لكى تحكم سيطرتها على العالم أكثر، وربما تكون دولة أخرى كبرى هى من فعلت ذلك، لكى تتقدم هى وتؤخر غيرها، لكن بما أن كل ذلك يظل فرضيات نظرية، لا أحد يملك دليلا قاطعا على صحتها، فإنها تظل أشبه بحكايات ما قبل النوم أى للتسلية.
الأقرب للمنطقة أن هناك فيروسا شديدا اسمه كورونا ربما يكون ناتجا عن انتقال غير تقليدى من طائر إلى الإنسان، وتمكن من إصابة أكثر من ٤٦٨ مليون شخص ووفاة أكثر من ٦ ملايين آخرين، وأصاب العالم بالشلل لأكثر من عامين، وأصاب الصين مثلما أصاب أمريكا والغرب، وأن هذا الفيروس تحور إلى أن وصل إلى مرحلة الأوميكرون الخفيفة جدا، وإذا استمر هكذا فقط يصبح مجرد فيروس موسمى مثل الإنفلونزا.
نفس الأمر ينطبق على قضية أوكرانيا، الأمر ببساطة أن هناك صراعا روسيًّا مع الغرب منذ نحو مائة عام بعد نجاح الثورة البلشفية.
فى روسيا عام ١٩١٧، زاد هذا الصراع بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم لمعسكرين كبيرين: الغرب بقيادة الولايات المتحدة والشرق بقيادة الاتحاد السوفييتى، إلى أن انتصر المعسكر الأول وتمكن من تفكيك الاتحاد السوفييتى.
روسيا وريثة ما تبقى من الامبراطورية السوفييتية تشعر بأن الغرب أهانها حينما نكث بوعوده بعدم تمدد حلف شمال الأطلنطى «الناتو» شرقا، لكنه وصل إلى حدود روسيا المباشرة، مع بعض دول البلطيق ثم رفض أن يلتزم بعدم ضم أوكرانيا.
روسيا شعرت أن أمريكا وأوروبا يمران بلحظة ضعف، واعتقدت أن تلك هى اللحظة المناسبة لكى تضع قواعد جديدة تعيد الهيبة لروسيا وتجعلها قطبا عالميا من جديد.
وهكذا اقتحمت القوات الروسية أوكرانيا لكى تفرض كلمتها، وتستعيد هيبتها، لكن هناك اعتقادا بأن أمريكا ربما تكون قد نصبت فخا لروسيا، لكى تغرقها فى المستنقع الأوكرانى وتحاصرها وتستنزف اقتصادها خصوصا بعد العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التى فرضها الغرب على روسيا بمجرد دخولها الأراضى الأوكرانية فى ٢٤ فبراير الماضى.
لكن وفى كل الأحوال وبغض النظر عن النهاية التى ستصل إليها الأمور فإن ما حدث فصل جديد من صراع دولى كبير سبق أن مر به العالم أكثر من مرة، خصوصا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩، حينما غزا هتلر معظم دول شرق أوروبا وجزءا كبيرا من روسيا.
مثل هذا النوع الخشن من الصراعات تحاول القوى الكبرى أن تعزز عبره هيبتها ومكانتها ونفوذها، وبالطبع فإن الدول الصغرى هى التى تدفع الثمن سواء كانت أوكرانيا أو كل دولة تضررت من هذا الصراع وبالتالى فالأمر ليس مؤامرة بل صراع دائم بين الكبار يدفع ثمنه الصغار.
نقلا عن "الشروق المصرية".