أهداف إسرائيل تحت أنقاض غزة

توجد أهداف لإسرائيل تحت أنقاض غزة

أهداف إسرائيل تحت أنقاض غزة
الكاتب والمفكر محمد سعيد الرز

استنادًا إلى المنهج الاستراتيجي الذي يؤكد أن الانتصار في أية حرب مرهون بمقدار ما يحققه أي طرف من أهداف،  فإن الهجمة الإسرائيلية على قطاع غزة لم تحقق حتى الآن أيا من الأهداف الكبرى الموضوعة لها والتي أشار إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بقوله إنها ستغير وجه المنطقة إلى خمسين سنة قادمة. إن روحية الانتقام العنصرية الوحشية التي تتحكم بأسلوب ونهج رئيس الوزراء الإسرائيلي وغالبية أعضاء حكومته لا يمكن اعتبار تنفيذها على أرض غزة هدفا يعتد به بل هي مجلبة لاعتراض واسع سوف يتعاظم يوما بعد يوم عندما يهدأ جنون القصف وتظهر حقائق البشاعة والإجرام بحق الإنسانية فوق أرض غزة وتحت ركام أبنيتها ، بمثل ما ستدين كل من ارتدى ثوبها الوسخ مهما كان مستواه . 

 

إذن فإن كل إنجازات نتنياهو حتى الآن تنحصر في دك الحجر وإزهاق أرواح البشر في غزة ، أما الأهداف الحقيقية التي تطلع رئيس الحكومة الإسرائيلية لتحقيقها، بدعم أميركي مفتوح وبمؤازرة أوروبية كاملة فإنها لم تر النور ، بل تشير معظم الوقائع إلى إنها دفنت تحت أنقاض عمارات غزة ، وأهم هذه الأهداف ما يلي : أولا ، بعد حرب أكتوبر 1973 انكبت كل معاهد الدراسات الإسرائيلية والأميركية على دراسة موضوع واحد وهو كيف تمنع إسرائيل وحلفاؤها في العالم تكرار هذه الحرب ، وتوصلت هذه الدراسات إلى ما سمي إستراتيجية إسرائيل ما بعد ثمانينيات القرن الماضي ، وملخصها إقامة كومنولث عبري تكون فيه إسرائيل هي الأقوى على الدول العربية المنقسمة والضعيفة ، وقد بلور شيمون بيريز هذه الاستراتيجية في كتابه " نحو شرق أوسط جديد " . 

 

أن كل النكسات التي شهدها الوضع العربي منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم سببها المباشر،  أو غير المباشر ، هو تطبيق هذه الاستراتيجية الإسرائيلية- الغربية ، وكان نتنياهو واضحا حينما تحدث أمام الكنيست في أعقاب موجة الربيع العربي حين تباهى بأن التدمير المجتمعي لحق بالعراق والسودان وسوريا وليبيا ولبنان وكاد ينجح في مصر "بينما إسرائيل تتفرج " حسب قوله . لقد وصل الانطباع العام لدى الغرب وإسرائيل أن العرب أصبحوا كالخاتم في إصبعهم وأن قضية فلسطين دخلت مرحلة النزع الأخير.. هذا الهدف الاستراتيجي الذي عملوا عليه طيلة خمسين عاما سقط في السابع من أكتوبر بشكل مدو ، وتكررت حرب أكتوبر بصورة مشابهة وإذا تفاقمت حرب غزة الآن،  فقد يتكرر العبور ولو بصورة مغايرة وفي كل الأحوال عادت قضية فلسطين لتتصدر الاهتمام العربي والعالمي كأزمة حية ينبغي حلها بإقامة الدولتين . ثانيا، بعد هذا الزلزال الذي هز أركان إسرائيل والذي ستظهر ارتداداته لاحقا ، كانت خطة نتنياهو ومعه كل الدعم الدولي الغربي هي تدمير غزة وتسويتها بالأرض، وتفريغها من سكانها الذين يناهز عددهم المليونين و300 ألف مواطن وتوزيعهم على بعض الدول العربية وأولها مصر بإرسال مليون ونصف المليون فلسطيني إلى سيناء ويليها الأردن وقطر والسعودية كل بنسب معينة. هذه الخطة جال بها وزير خارجية أميركا بلينكن على الدول العربية المعنية وفي جعبته إغراءات اقتصادية، فوجد أمامه حائط صد مصري تاريخي سرعان ما انسحب على باقي الدول العربية بموقف واحد هو رفض تصفية القضية الفلسطينية والتمسك بحل الدولتين الأمر الذي أسقط الهدف الإسرائيلي الثاني في حرب غزة . صحيح أن إسرائيل ومعها أميركا وأوروبا أرادت إقامة وطن بديل للفلسطينيين على حساب الدول العربية، هذا المشروع القديم الذي سقط تحت أقدام ثورة يونيو في مصر ، لكن هناك مخطط آخر أرادت إسرائيل تنفيذه من خلال تسوية غزة بالأرض، وهذا هو الهدف الثالث الذي سعى نتنياهو لتحقيقه، وهو ربط غزة المفرغة من أهلها بقناة غوريون، كبديل عن قناة السويس ، في تنفيذ المشروع التجاري الدولي الذي أعلن عنه في الهند قبل حوالي الشهرين ليصل مداه إلى شرق البحر المتوسط ، وتحديدا إلى الموانئ الإسرائيلية.  وإذا مر المشروع بغزة فهو سيوفر مئات الكيلومترات لكن هذا الهدف سقط أيضا مع تشبث أبناء غزة بأرضهم وبمقاومتهم . حتى الآن فإن الوقائع على الأرض والمواقف الثابتة عربيا ، أدت إلى إفشال المشروع الإسرائيلي في حرب غزة ، وبدأت ملامح تراجع في مواقف بعض الدول ، وكما انكشفت فضيحة قطع الرؤوس خاصة داخل البيت الأبيض فإن عجز بلينكن عن تكوين كتلة عربية تهضم المشروع الإسرائيلي أدى ببعض أصحاب القرار إلى إعادة النظر في مواقفهم ليس في أوروبا وحسب بل أيضا داخل إسرائيل نفسها حيث تختلف الحسابات حول ما بعد اجتياح غزة برا واحتمال نشوب حرب إقليمية . حينما تهدأ المدافع ، مهما طال الوقت ، فإن جردة الحساب حول ما جرى في حرب غزة ، ستكون طويلة وصعبة وفاتحة لمتغيرات كثيرة .