هل يُحسم الصراع التشادي في ليبيا؟

لقي رئيس تشاد إدريس ديبي مصرعه علي يد المتمردين

هل يُحسم الصراع التشادي في ليبيا؟
جمعة بوكليب

حقبة حُكم «كاوبوي الصحراء» و«المحارب الشجاع» الرئيس التشادي المشير إدريس ديبي، استمرت ثلاثين عاماً، وانتهت، فجأة، خلال الأيام القليلة الماضية، بمقتله متأثراً بجراح أُصيبَ بها في موقعة حربية، شمال أنجامينا، ضد قوات «جبهة التغيير والوفاق» القادمة من الجنوب الليبي، وبعد يوم واحد من إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية للمرة السادسة. مقتله في أرض معركة اعتبره المعلقون السياسيون سابقة غير معهودة، في تاريخ رؤساء الجمهوريات.


لقبُ «كاوبوي الصحراء» أطلقه عليه جُنودُه، بعد فوز قوات الجيش التشادي على قوات العقيد القذافي في «وادي الدوم» في مارس (آذار) 1987، وفي «معطن السارة» داخل الأراضي الليبية، في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، بسبب لجوئه، كقائد ميداني، إلى تكتيك استخدام السيارات رباعية الدفع في الهجومين، مما منح القوات المهاجمة سرعة الحركة والمناورة، في رمال الصحراء. أما لقب «المحارب الشجاع» فقد منحته له فرنسا لقاء دوره الحيوي والفعال في الوقوف إلى جانبها، وفي مساندة قواتها في معاركها ضد «الجهاديين» المنتشرين في منطقة الساحل، مثل الصحراء، من الشمال إلى الجنوب، ويهددون بالتمدد نحو بلدان غرب أفريقيا. ومقابل ذلك، أغمضت فرنسا عينيها على ما يحدث في تشاد من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كان نظام الرئيس ديبي يمارسها ضد خصومه في داخل تشاد وخارجها، وتغاضت عما يحدث في البلاد من استشراء للفساد وللفقر في خطين متوازيين.


لدى إعلان موته رسمياً، انتقلتْ السلطة إلى مجلس انتقالي عسكري، بقيادة ابنه الجنرال محمد كاكا ديبي، البالغ من العمر 37 عاماً، تم تشكيله سريعاً بغرض السيطرة على الوضع، ولقطع الطريق أمام أي محاولة للاستيلاء على السلطة من قبل ضباط في الجيش.

المجلس الجديد جمد الحياة السياسية، وحل مؤسساتها، وأعلن حالة طوارئ في البلاد، ووعد بإعادة الحياة الديمقراطية إلى البلاد بعد 18 شهراً. في باريس، أعلنت فرنسا دعمها للمجلس العسكري الانتقالي وقتياً، «بسبب الظروف الاستثنائية» كما جاء التبرير، فيما بعد، على لسان وزير خارجيتها. الدستور التشادي، الذي وضعه الرئيس ديبي، وينص على تولي رئيس مجلس النواب الحكم في حالة موت الرئيس، تعرض للتجاهل.

الرئيس الفرنسي ماكرون كان الرئيس الأوروبي الوحيد الذي هرع إلى أنجامينا لحضور مراسم الجنازة، وتعهد في كلمة ألقاها بوقوف فرنسا إلى جانب تشاد، والحفاظ على استقرارها. يوجد في تشاد 5000 عسكري فرنسي.


مقتل الرئيس ديبي، واختفاؤه من الساحة السياسية، أدخل تشاد في متاهة سياسية جديدة، باحتمالات لا تبعث على التفاؤل، وليس من ضمنها احتمال عودة السلام إليها بالوصول إلى اتفاق ووفاق بين قيادات النظام وقادة المعارضة، بما يضمن توقف المعارك، وعودتهم للمشاركة في العملية السياسية سلمياً، والقبول بعقد انتخابات ديمقراطية نزيهة.


القواتُ المُغيرة، والقادمة من قواعدها في الجنوب الليبي، تابعة لـ«جبهة التغيير والوفاق» المعارضة، التي تأسست عام 2016 بمبادرة من بعض الضباط من قبيلة القرعان، المنشقين عن نظام الرئيس ديبي، الذي ينتمي لقبائل زواغه. الوجود داخل الأراضي الليبية، استناداً إلى تقرير نشرته صحيفة «التايمز» اللندنية، جاء بناءً على توقيع اتفاق عدم اعتداء مع المشير خليفة حفتر، والقبول بالمشاركة القتالية مع قواته ضد خصومه في الحرب، التي يقودها لبسط سيطرته على ليبيا.

وبالمقابل، يقوم المشير حفتر بتزويد الجبهة بأجهزة عسكرية وعتاد وسيارات دفع رباعي. التقرير ذاته ذكر أن قوات «فاغنر» الروسية الموجودة في ليبيا قامت بتدريب قوات الجبهة في قاعدتين عسكريتين بوسط ليبيا وجنوبها.


نجاح قوات الرئيس ديبي في صد الهجوم وإجبار القوات المغيرة على التراجع، مخلفة وراءها العديد من القتلى والخسائر في العتاد العسكري، لا يعادل، معنوياً وعسكرياً، نجاح قوات الجبهة في الظفر برأس النظام، ووضع نهاية لحقبة سياسية استمرت ثلاثة عقود في آن معاً. كما فتح الباب أمام أسئلة عديدة لتظهر برؤوس أفعوية، وتتعلق بما يمكن أن تؤدي إليه الأحداثُ الأخيرة من تغييرات في مجرى الساحة التشادية بين مختلف الفرقاء، وانعكاس ذلك على دول المنطقة، وعلى الخطط الفرنسية المصممة لقتال «الجهاديين» الإسلامويين (بوكو حرام والقاعدة وداعش) في بلدان الساحل، التي صارت تعرف باسم «أفغانستان فرنسا». حيث، استناداً إلى ستيفن سميث أستاذ الدراسات الأفريقية بكلية ديوك - جامعة درهام - ربحت القوات الفرنسية كل معركة خاضتها، لكنها خسرت الحرب. والسؤال الأهم يتعلق بالجارة الشمالية، ليبيا، التي أضحت قاعدة للمعارضة، واحتمال تحول أراضيها الجنوبية المجاورة إلى ساحات لمعارك قادمة، قد يتقرر خلالها مصير الصراع في تشاد، ليس بين الفرقاء التشاديين فقط، بل أيضاً بين نفوذ فرنسي تاريخي، توطد عبر السنين، يتعرض لتوغل روسي، قادماً من جنوب تشاد، بحثاً عن موطئ قدم، في بلاد غنية بمواردها، وتعد امتداداً جغرافياً لليبيا، حيث تعد موسكو أحد أبرز المتورطين الخارجيين في حربها الأهلية، وأكثرهم تصميماً على عدم التفريط في ما حققته هناك، خلال الأعوام الماضية، من مكاسب ونفوذ.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط