واشنطن تُصعّد ضد الحلفاء والخصوم.. حرب الرسوم تدخل الشرق الأوسط
واشنطن تُصعّد ضد الحلفاء والخصوم.. حرب الرسوم تدخل الشرق الأوسط

في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي هدوءًا هشًا وتوجسًا من موجات ركود متقطعة، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليشعل من جديد فتيل التوتر التجاري، مستهدفًا دولًا عربية من بوابة الرسوم الجمركية، الجزائر، العراق، وليبيا باتت ضمن قائمة ضريبية جديدة أعلنها ترامب، تقضي بفرض رسوم تصل إلى 30% على صادراتها نحو السوق الأمريكية اعتبارًا من أغسطس المقبل.
القرار المفاجئ يأتي ضمن حزمة أوسع طالت ست دول دفعة واحدة، في ظل تصعيد متزامن ضد الصين وضغوط غير مسبوقة على الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وبينما وصف قادة مجموعة "بريكس" الرسوم الأمريكية بـ"العشوائية"، يؤكد ترامب أن واشنطن تدافع عن مصالحها التجارية، متوعدًا بإجراءات أوسع.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة تصل إلى 30% على واردات من ست دول، بينها ثلاث دول عربية هي الجزائر والعراق وليبيا، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدًا إضافيًا في سلسلة من الإجراءات الحمائية التي تتخذها واشنطن منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وبموجب القرار، تبدأ الرسوم الجديدة في أغسطس المقبل، وتشمل أيضًا كلاً من بروناي (25%)، مولدوفا (25%)، والفلبين (20%). وتزامن الإعلان مع تصريحات من ترامب أكد فيها عزمه إصدار المزيد من إشعارات الرسوم الجمركية خلال الأيام القادمة، دون أن يحدد الدول المستهدفة.
هذا التحرك جاء في سياق حملة ضغوط أوسع أطلقها ترامب على 14 من شركاء واشنطن التجاريين، من بينهم كوريا الجنوبية واليابان، اللذان يعدان من أبرز موردي السلع إلى السوق الأمريكية.
وسبق لترامب أن هدد بفرض رسوم ضخمة على واردات النحاس، وأشباه الموصلات، وحتى الأدوية، ما يعكس إصراره على إعادة تشكيل خارطة التجارة العالمية وفق ما يراه مناسبًا للمصالح الأمريكية.
*الجزائر والعراق وليبيا.. أهداف جديدة في حرب ترامب التجارية*
اللافت في هذه الجولة من الإجراءات أنها طالت دولًا نامية من خارج دائرة التوترات التجارية التقليدية.
الجزائر والعراق وليبيا، وهي دول لا تشكل تهديدًا حقيقيًا على الاقتصاد الأمريكي من حيث فائض التصدير، باتت فجأة في مرمى العقوبات التجارية.
ويرى محللون، أن إدراج هذه الدول في قائمة الرسوم يعود إلى اعتبارات سياسية أكثر منها اقتصادية، وقد تكون جزءًا من ضغوط أمريكية في ملفات إقليمية أوسع تشمل الطاقة، التعاون الأمني، أو حتى مواقفها من قضايا الشرق الأوسط، وليس فقط التبادل التجاري المباشر.
*قلق أوروبي وتفاؤل حذر*
بالتوازي مع هذا التصعيد، أعلن مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروش شفتشوفيتش، أن المحادثات مع واشنطن أحرزت تقدمًا نحو التوصل إلى اتفاق إطاري قد يُعلن خلال أيام.
وذكر أن تمديد المهلة الأمريكية حتى مطلع أغسطس منح المفاوضين الأوروبيين وقتًا إضافيًا لصياغة حلول وسط.
في المقابل، حذر وزير الاقتصاد الإيطالي جيانكارلو جيورجيتي من أن المفاوضات "شديدة التعقيد" وقد لا تُفضي إلى نتائج سريعة، مؤكدًا أن الخلافات الجوهرية ما تزال قائمة.
من جهة واشنطن، قال ترامب: إن الاتحاد الأوروبي "بدأ يعاملنا بلطف بعد سنوات من الغطرسة التجارية"، معتبرًا أن سياسة الحزم تؤتي ثمارها، في وقت تشير فيه تقارير أن البيت الأبيض قد يُصعّد ضد صادرات أوروبية محددة إذا لم تُلبّ مطالبه.
*البريكس تحذر: تهديد للاستقرار التجاري العالمي*
قادة مجموعة "بريكس" التي تضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وجهوا رسالة شديدة اللهجة إلى واشنطن واصفين الرسوم الجمركية بـ"العشوائية"، ومتهمين الإدارة الأمريكية بإرباك النظام التجاري العالمي.
وتأتي هذه التصريحات في سياق متصاعد من القلق بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية ودورها في تسوية النزاعات، خاصة بعد أن باتت واشنطن تتصرف خارج مظلة الاتفاقات الدولية بحجة "الدفاع عن الأمن الاقتصادي القومي".
يرى مراقبون، أن ترامب يسعى من خلال هذه الخطوات إلى تحقيق مكاسب سريعة على الساحة الداخلية، خاصة مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية، حيث يروج لنفسه باعتباره "الرئيس القوي الذي لا يساوم على مصالح أمريكا".
وفي الوقت ذاته، يتجه نحو تقييد النفوذ التجاري للصين والاتحاد الأوروبي عبر حروب رسوم متصاعدة، وهو ما قد يُحدث تغييرات جذرية في موازين التجارة الدولية خلال الأشهر المقبلة.
*ضغط سياسي*
يقول أكد الدكتور على الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي: إن الرسوم الجديدة التي أعلنها ترامب ضد دول عربية وأخرى نامية تعكس تحولًا استراتيجيًا في أولويات السياسة التجارية الأمريكية، موضحًا أن هذه الخطوة تتجاوز المنطق الاقتصادي المباشر، خاصة أن الدول الثلاث – الجزائر والعراق وليبيا – لا تُمثل شركاء تجاريين كبار للولايات المتحدة؛ مما يرجّح أن الرسوم تُستخدم كأداة ضغط سياسي ورسالة تحذيرية بشأن ملفات جيوسياسية أوسع.
ويضيف الإدريسي - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن هذه الرسوم قد تُضعف اقتصادات تلك الدول التي تعاني أصلًا من تحديات داخلية، ما يفتح الباب أمام ردود فعل متباينة تبدأ من إعادة ترتيب الشراكات التجارية إلى تقارب أكبر مع الصين وروسيا، وهو ما يُضعف موقع واشنطن على المدى الطويل.
ويشير أن هذا النمط من السياسات الانفرادية يُقوّض مبدأ التعددية التجارية، ويدفع شركاء أمريكا إلى البحث عن بدائل استراتيجية، خاصة في ظل غموض نوايا الإدارة الأمريكية بشأن الاستقرار التجاري العالمي.