العنف: للتذكير فقط
لعله من المُسلَّم به أنه ما من مجتمع إلا وعششت فيه ظاهرة العنف، مهما بلغ هذا الأخير من التقدم والتطور... بل إن هذه الظاهرة موجودة بوجود الإنسان
يتفاوت حجم هذه المشكلة من مجتمع لآخر تبعًا لثقافة وخصائص كل مجتمع والإطار القانوني القائم به، ولهذه الظاهرة أسبابها المتعددة التي تؤدي إليها ، والسلوك العنيف هو بمثابة عدوى تنتقل من الأفراد والأماكن التي توجد بها، وشئنا أم أبينا يظل هذا السلوك عائقًا لعناصر التقدم وغالبا ما يعبر عن التخلف الخلقي والحضاري.
إن الفرد العنيف أو المعنَّف داخل مجتمع ما، يأخذ من هذا الأخير بقدر ما يعطي له من كل عناصر التقدم المشار إليها أعلاه. في هذا السياق أوضح التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية بأن العنف يكبد الدول خسائر مادية ضخمة، فالإصابات التي تنجم عنه تكلف أصحابها ما لا يقل عن 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وتقارير أخرى أوضحت بأن العنف هو من أكثر العوامل المسببة للانتحار للفئة العمرية التي يتراوح سنها ما بين 15 و 45 سنة.
في حقيقة الأمر، إن أكثر الفئات المعرضة للعنف وبشكل يومي هي فئة النساء. وهنا ليس ظلمًا للرجال أو تفضيلاً للنساء، ولا ننكر وجود رجال معنفين من طرف نساء، وإنما هي محاولة منا لتأطير هذه الظاهرة بحياد تامّ والإقرار بالمسلمات وما يمليه علينا الواقع المعاش، ونعلم أن المعلومات التي نذكرها، ليست هذه المرة الأولى التي ستطرح فيها، ولكن لا بأس أن نذكر بها ونعزز من أهمية دراستها.
العنف كظاهرة اجتماعية وإنسانية محضة، غالبًا ما ينبثق من رحم معاناة سابقة، فيلجأ الفرد إلى توجيه رسالة واعية كانت أم لا، تعبر عن مكنونه الخاص وعن الرؤية التي يقدمها للمجتمع الذي يعيش فيه والأفراد الذين يتعامل معهم.
لو كان العنف ماديًّا، يطارد البدن والحقوق والمصالح وأمن الطرف الآخر الذي يكون ضحية للعنف، أو عنفًا رمزيًّا ، يخلف ضررًا سيكولوجيا في الشعور الذاتي سواء من حيث الكرامة أو التوازن... كيفما كان نوعه أو مصدره، يلجأ إليه الإنسان عندما يكون العنف جزءًا أساسيًّا من سلوكياته لتحقيق رسالته وغايته ومطلبه في الحياة، أو يستخدم العنف لتعزيز الذات أمام نفسه والآخرين، ويلجأ إلى هذا السلوك عندما يشعر بشيء من النقص والدونية الذاتية، ويفسر هذا الوضع على أنه نوع من العلاقة التعويضية بين التقييم المنخفض للذات والعنف الذي تعرض إليه في وقت سابق.
مما لا شك فيه وجود علاقة بين السياقات الثقافية والطريقة التي يُمارس بها العنف، فمثلاً العنف الذي يتوجه إلى المرأة داخل مجتمعاتنا العربية، يجعلها تواصل حياتها في إطار ثقافي يتميز بالانحياز الصريح والمباشر إلى الرجل، من خلال نسق يفرض مجموعة من السلوكيات والممارسات التي تعود في الأساس إلى مسألة التخلف الثقافي الذي يساهم فيه الموروث، الذي فرض على المرأة وأوهمها بأنها لا تعيش لنفسها وإنما للرجل وبالرجل. والواقع اليوم يبين عكس ذلك، بحيث إن المرأة خرجت عن كونها الكائن الضعيف والانفعالي ، وإنما هي عاملة ومثقفة وذكية وتربي جيلاً ينشد مكارم الأخلاق.
في ختام هذا التأطير، فالهدف من هذا الأخير هو إعادة تنبيهك عزيزي القارئ حول هذه الظاهرة، التي لا يخلو منها أي مجتمع، بل لو لم نكن ممن يمارسون العنف، فلا شك أننا تعرضنا إليه أو ما زلنا نتعرض إليه بشتى أنواعه. ولنتذكر بأن معنَّف اليوم هو مَن سيمارس العنف في الغد.