تصعيد بلا مبرر.. فائض ذخيرة إيران يزلزل غزة بسبب مبادرة الطيارين

تصعيد بلا مبرر.. فائض ذخيرة إيران يزلزل غزة بسبب مبادرة الطيارين

تصعيد بلا مبرر.. فائض ذخيرة إيران يزلزل غزة بسبب مبادرة الطيارين
حرب غزة

بينما كانت الأنظار مشدودة نحو سماء الخليج في ذروة المواجهة بين إسرائيل وإيران، كانت غزة تحترق في صمت، ففي لحظة تشكّلت فيها المعارك الجوية على جبهات متعددة، استغلت إسرائيل الفرصة لتوجيه فائض قوتها النارية نحو قطاع محاصر أصلاً.

تقرير لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية يكشف عن ما تسميه "مبادرة الطيارين"، حيث أقدم طيارو سلاح الجو على إسقاط الذخائر التي لم تُستخدم في اعتراض الطائرات الإيرانية على أهداف داخل غزة، لتتحول المبادرة الفردية إلى خطة عسكرية شبه رسمية، خلف هذه الرواية العسكرية تكمن معادلة قاسية: فائض الذخيرة من معركة إقليمية يصبح لعنة مضاعفة على سكان غزة، ما يبدو تكتيكًا عسكريًا ذكيًا في لغة الجيش، يُترجم على الأرض إلى تصعيد دموي يُسقط ضحايا مدنيين ويقوض كل فرص التهدئة، فهل كانت غزة مجرد "ساحة تجريبية" ضمن حسابات الحرب الكبرى، أم أن ما حدث يعبّر عن سياسة استراتيجية تتجاوز مجرد قرارات ميدانية عابرة؟

*الذخائر التي لم تُطلق على إيران.. أُسقطت على غزة*


في واحدة من أكثر الصور تعبيرًا عن اللامساواة في توزيع الألم خلال الحروب الحديثة، تحوّلت غزة إلى ساحة إضافية في صراع إقليمي لم تكن طرفًا فيه مباشرة، ففي حين كانت تل أبيب تحت ضغط هجوم إيراني بالطائرات المسيّرة والصواريخ، نشأت في الخفاء مبادرة عسكرية إسرائيلية وُصفت بأنها "محلية" لكنها أحدثت آثارًا استراتيجية واسعة، بحسب ما كشفت صحيفة "معاريف".

في الأيام الأولى من عملية "الأسد الصاعد"، قرر طيارو سلاح الجو الإسرائيلي، الذين كانوا في طريقهم لاعتراض التهديدات الجوية الإيرانية، تسليح طائراتهم بصواريخ إضافية من نوع "جو-أرض". ومع انتهاء المهمات الدفاعية فوق المجال الجوي، ووجود فائض من الذخيرة على الطائرات، اختار الطيارون عدم العودة إلى القواعد بأسلحتهم، بل إسقاطها على ما وصفوه بـ"أهداف تابعة لحماس" داخل غزة.

هذا القرار – وفق الصحيفة – بدأ كمبادرة من سرب واحد، لكن سرعان ما اعتمدته جميع الأسراب بفضل دعم قيادة سلاح الجو، وهكذا، تحولت "مبادرة الطيارين" إلى إجراء عملياتي ممنهج، زاد من وتيرة الغارات الجوية على القطاع.

*تكتيك فعّال أم ذريعة لاستمرار القصف؟*


بحسب الجيش الإسرائيلي، فإن هذا النمط من التشغيل الميداني وفر جهدًا لوجستيًا وقلّل من تكلفة العمليات، مصدر عسكري عبّر عن ذلك بقوله: "بدلًا من إطلاق طائرات إضافية من القواعد، قمنا باستخدام الطائرات التي كانت أصلاً في الأجواء… لقد عزّزنا القوة الجوية دون إنفاق المزيد".

لكن ما يُعدّ كفاءة في الأداء من وجهة نظر عسكرية، يطرح تساؤلات قانونية وإنسانية خطيرة، فهل يمكن تبرير إسقاط ذخائر فائضة على منطقة مكتظة بالسكان كغزة فقط لأنها كانت "في الطريق".

*القصف العابر للجبهات*


التحليل الإسرائيلي للمشهد يعكس تحوّل غزة إلى "ساحة رديفة"، وهو مصطلح قد يُخفي وراءه نية استراتيجية لربط الجبهات وتحقيق أهداف ردعية، فتل أبيب تعي جيدًا أن استهداف غزة، حتى إن كان بدافع ميداني، يحقق أهدافًا مضاعفة: إضعاف القدرات العسكرية لحماس، وفرض معادلة جديدة للقصف دون خوض عمليات برية مكلفة.

إلا أن هذا التصرف – وفق محللين دوليين – قد يُنظر إليه كانتهاك محتمل لقواعد الاشتباك واتفاقيات القانون الدولي الإنساني، لا سيما إذا ثبت أن الهجمات لم تكن تستند إلى تقييم استخباراتي مسبق أو لم تراعِ التناسب في الرد العسكري.

*تصعيد بلا إعلان.. وضحايا بلا ذنب*


في الواقع، لم يصدر أي إعلان رسمي عن تصعيد في غزة خلال تلك الأيام، ما يعني أن القصف تم خارج الإطار التقليدي للعمليات المعلنة، عشرات الطائرات ألقت مئات الذخائر على القطاع في فترة لا تتعدى 12 يومًا، ضمن موجات متتالية رُسمت بناءً على توجيهات سريعة من غرف العمليات المشتركة.

أمّا على الأرض، فالمعادلة واضحة، الغارات لم تستثنِ أحدًا، واستهدفت مواقع قال الجيش إنها تابعة لحماس، لكن النتائج الميدانية أظهرت تدمير منازل وبنى تحتية وسقوط ضحايا مدنيين، بينهم أطفال ونساء، بحسب تقارير من وزارة الصحة في غزة.

*سلاح الجو يختبر نمطًا جديدًا من الحرب "الذكية"*


قائد سلاح الجو الإسرائيلي، اللواء تومر بار، اعتبر أن هذه المبادرة "زادت من فعالية سلاح الجو"، وأتاحت "مرونة عملياتية غير مسبوقة". لكن هذه الفعالية قد تتحول إلى سياسة دائمة تكرس مبدأ "الضرب عند المرور"، وهو نمط عملياتي قد يوسّع من دوائر الاستهداف مستقبلاً ليشمل مناطق أخرى "قريبة من مسار العمليات".

إنه منطق الحروب الحديثة الذي لا يترك مساحة كبيرة للحدود أو القواعد، بل يُصاغ وفق احتياجات تكتيكية متغيرة، حتى وإن كان الثمن دماء المدنيين.