جريمة حرب أم رمز تحرير؟.. إسرائيل تقصف سجن إيفين وتقتل العشرات
جريمة حرب أم رمز تحرير؟.. إسرائيل تقصف سجن إيفين وتقتل العشرات

تحول سجن إيفين، رمز القمع السياسي في إيران، من معتقل مكروه إلى صرخة موحدة ضد إسرائيل بعد غارات جوية إسرائيلية مدمرة استهدفت السجن، بما في ذلك جناح المستشفى، في 23 يونيو 2025.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فقد أثارت هذه الغارات، التي تعد الأكثر دموية في الحرب الإسرائيلية- الإيرانية التي استمرت 12 يومًا، غضبًا واسع النطاق في إيران، حتى بين معارضي النظام الإيراني.
تفاصيل الهجوم المدمر
في ظهيرة يوم مشمس حار، هزت انفجارات عنيفة سجن إيفين في طهران، حيث استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مركز الزوار الذي يضم مكتب المدعي العام، والعيادة الطبية التي تضم 47 سريرًا.
انهار السقف والجدران والخزائن الخشبية في مركز الزوار، تاركة أكوامًا من الحطام الحاد.
تناثرت الأوراق المحترقة وملفات القضايا الملونة وسط الطوب المكسور والأسلاك المتشابكة في مبنى الإدارة، بينما غطت الزجاج المحطم أسرة المرضى والمعدات الطبية في العيادة.
ووفقًا لوكالة "فورنسيك أركيتكتشر"، التي تتخصص في التحقيقات البصرية، أظهرت صور الأقمار الصناعية تعرض السجن لست غارات على الأقل، أربع منها أكدتها الصور الميدانية، بما في ذلك ضربات استهدفت عنابر السجن، المكتبة، المتجر، ومخزن المواد الغذائية، بالإضافة إلى القسم 209 السيئ السمعة الذي تديره قوات الاستخبارات.
وأعلنت السلطات الإيرانية مقتل 79 شخصًا وإصابة العشرات في الهجوم، مع توقعات بارتفاع عدد الضحايا. وشمل القتلى والمصابون أفراد عائلات السجناء الذين كانوا في زيارة، وأخصائيين اجتماعيين، ومحامٍ، وأطباء وممرضات، وطفل يبلغ من العمر 5 سنوات، وجنود مراهقون كانوا يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، وموظفين إداريين، وسكان المنطقة المحيطة، وفقًا لتقارير إعلامية إيرانية ونشطاء ومنظمات حقوقية.
كما أفادت التقارير بفقدان حوالي 100 سجين من المتحولين جنسيًا بعد تدمير قسمهم بالكامل، حيث يفترض أنهم لقوا حتفهم، حسبما صرح المحامي البارز في مجال حقوق الإنسان رضا شفقخاه، الذي أشار أن الحكومة الإيرانية غالبًا ما تعتبر التحول الجنسي جريمة، ومن بين القتلى أيضًا المدعي العام للسجن، علي غناة كار، الذي يحتقره منتقدو الحكومة بسبب تعامله مع السجناء السياسيين، وأحد نوابه.
ردود فعل غاضبة
أثارت الغارات الجوية الإسرائيلية على سجن إيفين استنكارًا دوليًا واسعًا. ووصفت نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام وأبرز ناشطة حقوقية في إيران، الهجوم بأنه "جريمة حرب واضحة"، مشيرة أنه تم تنفيذه في وضح النهار أمام العائلات والزوار.
وقال سياماك نمازي، رجل الأعمال الإيراني الأمريكي الذي قضى ثماني سنوات في إيفين بتهم تجسس وصفها الولايات المتحدة ومنظمات حقوقية بأنها كاذبة: إن السجناء يشعرون بأنهم عالقون بين "شفرتي مقص"، النظام الإيراني القمعي وقوة أجنبية تقصف رؤوسهم باسم الحرية.
كما دعت منظمة العفو الدولية إيران إلى الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وأشارت في حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية إلى أن الهجوم الإسرائيلي قد يشكل جريمة حرب.
ووصف الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ثامين الخيطان، الهجوم بأنه "انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي".
مشاهد الفوضى وجهود الإنقاذ
وصف السجناء وأسرهم والمحامون المشهد داخل إيفين بعد الهجوم بالفوضى العارمة. اهتزت المباني، تنهار الجدران، تحطمت النوافذ، وانفجرت الأبواب، بينما غطى الدخان والغبار الأجواء.
كان هناك أشخاص ملطخون بالدماء يصرخون طلبًا للمساعدة.
ركض مجموعة من السجناء الذكور إلى الفناء، حيث وجدوا العيادة مشتعلة بالنيران ومخزن المواد الغذائية والنظافة الشخصية مدمرًا.
تجولوا السجناء من مبنى الحبس الانفرادي مع حراسهم في حالة ذهول عبر الأبواب المحطمة.
روت أربع سجينات لشبكة "بي بي سي" الفارسية، أن المساعدات الخارجية لم تصل لأكثر من ثلاث ساعات، وانقطعت خطوط الهاتف؛ مما اضطرهن إلى رعاية الجرحى وتنظيف شظايا الزجاج والحطام.
وأفاد السجناء السياسيون البارزون، مثل: مصطفى تاجزاده ومهدي محموديان وأبو الفضل قدياني، بأنهم ساعدوا في جهود الإنقاذ الأولية، حيث قاموا بإجلاء الناجين من العيادة وحفروا بأيديهم عبر الحطام، مكتشفين حوالي 20 جثة.
ومن بين الجرحى بشدة طبيبة الأمراض المعدية، الدكتورة مكارم، التي فقدت ذراعها وساقها وكانت تتطوع في عيادة السجن مرة أسبوعيًا.
إجلاء السجناء وسط الرعب
في فترة ما بعد الظهر، اجتاحت قوات الأمن السجن، وأجبرت الرجال الذين كانوا يساعدون في عمليات الإنقاذ على العودة إلى الداخل تحت تهديد السلاح.
وفي وقت متأخر من تلك الليلة، تم تقييد السجناء الذكور بأزواج عند المعصمين والكاحلين، وساروا عبر أنقاض السجن المظلمة، متخطين الأسلاك المتشابكة والطوب المكسور والجثث.
استغرق الأمر أكثر من ساعة للوصول إلى حافلات الإجلاء عبر مخرج خلفي، حيث كان البوابة الأمامية غير سالكة.
ووصف السجناء تلك اللحظات بأنها "نفق الرعب"، حيث كانوا يحملون أكياسًا بلاستيكية تحتوي على ما تبقى من ممتلكاتهم، مقيدين بالسلاسل وسط الحطام.
وقال رضا خندان، ناشط حقوقي ومصمم جرافيك: إن الأغلال قطعت لحمه مع كل خطوة، وسقط عدة مرات، واضطر للتخلي عن كيس ممتلكاته لعدم قدرته على حمله بيديه المقيدتين.
وعندما وصل السجناء إلى الحافلات حوالي الساعة الثالثة صباحًا، اندلعت جولة جديدة من الهجمات الإسرائيلية، مصحوبة بإطلاق النار من الدفاعات الجوية الإيرانية.
قال خندان: "غلبنا الخوف. كان من المستحيل التحرك بسرعة أو الاحتماء لأن أيدينا وأرجلنا كانت مقيدة ببعضها البعض".