قطر... الداعم المستتر لحزب الله
يأتي تحقيق قناة فوكس نيوز الأميركية الذي كشف تورط قطر بدعم تنظيم حزب الله الإرهابي ضربة قوية للنظام القطري في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تحولات إستراتيجية كبيرة بسبب الحرب المعلنة على الإرهاب بشقيه داعش والحرس الثوري الإيراني، فلطالما حاولت قطر تقديم نفسها للمجتمع الدولي بأنها دولة حيادية لا علاقة لها بالإرهاب، وسعت من خلال ذلك إلى توطيد علاقتها مع الحكومات الغربية والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الأمس سيختلف تمامًا عن الغد، خصوصًا أن تحقيق القناة التي تعتبر من أهم الشبكات الأميركية الموثوقة غمزت من جانب تعريض عشرة آلاف جندي أميركي يتواجدون في قطر للخطر بسبب هذه الفضيحة التمويلية.
وقبل الغوص بالتفاصيل لا بد من الإشارة إلى نوع من العهر السياسي الممارس من قِبل قطر، من خلال دفق التصريحات السياسية على لسان كبار المسؤولين خلال الفترة الماضية التي تضع قطر في صف إيران بشكل واضح في مواجهة وقحة للمحيط الطبيعي الخليجي والعربي.
فقطر دولة صغيرة الحجم والشأن السياسي، حاولت من خلال وفرة أموال النفط إيجاد موقع لها في الخارطة السياسية العالمية، فدفعت بهذه الأموال لدعم العديد من الجماعات المتطرفة حول العالم لتؤجج الصراعات الطائفية إفساحًا بالمجال أمام تخيلها كوسيط أو داعم إنساني، وهو ما يحصل فعلاً في لبنان، فتمويل قطر لحزب الله لا يعود فقط إلى العام 2017 كما ورد في التقرير، بل يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث قامت قطر بتقديم الأموال لمناطق حزب الله تحت ستار التنمية والمساعدات الاجتماعية، واستمر الأمر إلى العام 2006 حيث ظهر التمويل القطري المباشر لإصلاح ما تهدم وإعادة البنية التحتية الخاصة بالحزب كبناء الأنفاق في مناطق الحزب، وإنشاء البنية التحتية العسكرية الخاصة بالاتصالات والإنارة والكهرباء بعيدًا عن مؤسسات الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى تقديمات مالية كبيرة مخصصة حصرًا لأبناء المناطق التي يسيطر عليها الحزب في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت.
وقد يتساءل البعض عما إذا كان هذا الكلام صحيحًا أو لا، خصوصًا أن المشاريع السياسية بين قطر والحرس الثوري مختلفة ولها اتجاهات طائفية مختلفة تمامًا، لكن الحقيقة تكمن أساسًا بالعلاقة القطرية الإيرانية وتحالف البلدين خصوصًا وأنها علاقة وطيدة جدًّا من الممكن تصنيفها إستراتيجية بكل ما للكلمة من معنى، وذلك لاعتبارات عديدة: أولها معاداة دول الخليج وهو عامل مشترك بينهما، حيث تخدم أهداف كل من الطرفين الآخر من خلال فرض الضغط وإبقاء المنطقة بحالة من التوتر، طمعًا للوصول إلى تقاسم النفوذ والسيطرة بين جماعة الإخوان وأذرع الحرس الثوري في المنطقة، خصوصًا وأننا رأينا أن إيران كانت من أولى الدول التي قامت بإرسال مساعدات ومواد غذائية منذ اليوم الأول للمقاطعة التي أعلنتها الدول الخليجية ومصر على قطر بسبب تصرفاتها المشبوهة وغير الأخلاقية.
وعلى الصعيد المادي فمن الممكن القول: إن قطر كانت ولا تزال سندًا للحرس الثوري في أزمته المالية الحالية، حيث يتم سحب البترول الإيراني من قبل القطريين في المنطقة الحدودية البحرية بين البلدين حيث يقع حقل الغاز المشترك بينهما في مياه الخليج العربي، وتبلغ مساحة هذا الحقل 9700 كيلومتر مربع، وتمتلك قطر 6000 كيلومتر مربع منه، وإيران تمتلك 3700 كيلومتر مربع منه، ويتم بيعه في الأسواق على أنه بترول قطري وهو أمر يتعارض مع السياسات الأميركية الهادفة للضغط على إيران، هذا بالإضافة إلى ارتباط البلدين بالعديد من الاتفاقات الاقتصادية التي تصب في مصلحة إيران بشكل مباشر على حساب الاقتصاد القطري، كما أن إيران تعتبر قطر مخزنًا أساسيًّا ليع بضائعها وتأمين سيولة كبيرة من الدولار الأميركي الذي تفتقر له في الوقت الحالي، ومن يزور الدوحة لا بد من أن يلاحظ جليًّا تدفق المواد الاستهلاكية الإيرانية والتركية بشكل كبير وغيابًا ملحوظًا للبضائع المستوردة من الدول الأخرى.
وبذلك تتضح الصورة بشكل كامل عن سبب فضح وكشف دعم قطر لحزب الله اللبناني، حيث تقوم قطر باللعب على حبلين خطرين: الأول هو العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والثاني البقاء على علاقات قوية ومتينة مع الحرس الثوري، لكن هذه الفترة التي تعتبر مصيرية بالنسبة للإدارة الأميركية التي تسعى خلالها لتحقيق مكاسب قوية بالنسبة للملف الإيراني للتوصل إلى اتفاقات جديدة تكبل إيران نوويًّا والحد من قوتها الإستراتيجية خصوصًا بالنسبة إلى انتشار أذرعها وصواريخها التي تهدد المنطقة بأكملها.
والسؤال هنا: هل ستسمح الإدارة الأميركية بهذا الخرق الكبير الذي قد يقوض كل الجهود الرامية إلى تقزيم الحرس الثوري في المنطقة؟ بالطبع الجواب سيكون سلبيًّا بشكل كلي مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية التي يسعى من خلالها الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى البقاء لفترة ثانية، حيث يعتبر الملف الإيراني إحدى أدوات الضغط الرئيسية في حملته الانتخابية، وبنفس الوقت يعتبر الملف ورقة ضغط بيد خصمه جو بايدن الذي سيسعى إلى استغلال انتشار الحرس الثوري المستمر رغم العقوبات والضغوطات المستمرة عليه.