الناتو وروسيا.. تفوق تقليدي وتوازن نووي.. إلى أين يتجه سباق التسلح؟
الناتو وروسيا.. تفوق تقليدي وتوازن نووي.. إلى أين يتجه سباق التسلح؟
مع تزايد التوترات الدولية وسباق التسلح المتسارع بين القوى الكبرى، برزت تساؤلات حول مدى تفوق حلف شمال الأطلسي (الناتو) عسكرياً على روسيا، فهل حقاً تظل كفة الناتو هي الراجحة، أم أن هناك أبعادًا أخرى تعيد توزيع القوى العسكرية؟
دراسة حديثة بتكليف من منظمة "غرينبيس" تسلط الضوء على التوازن العسكري الحالي بين الطرفين، مشيرة أن الناتو ما يزال يحتفظ بتفوق كبير على روسيا، خاصة من حيث الإنفاق العسكري وعدد الأنظمة التسليحية الكبرى، لكن رغم ذلك، يظل التهديد النووي عاملاً رئيسيًا في المعادلة، حيث إن التوازن في هذا المجال يقترب من التعادل بين الجانبين.
ومع دخول التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وأنظمة الحرب الإلكترونية على خط المواجهة، تزداد المخاوف من تصعيد غير محسوب قد يغير وجه المعادلة، في الوقت الذي تعاني فيه روسيا من فجوة تكنولوجية تجعلها متأخرة عن الناتو، تظل الرهانات مفتوحة حول إمكانية سد هذه الفجوة في ظل التحديات الاقتصادية والعقوبات الدولية، وبينما يحذر خبراء من سباق تسلح قد يجر العالم إلى تصعيد نووي، تتعالى الأصوات الداعية إلى استثمار التفوق التقليدي للناتو في مبادرات للحد من التسلح تضمن الأمن والاستقرار.
*التفوق العسكري للناتو: قوة مالية وتكنولوجية*
وفقًا للدراسة التي أعدها خبراء بارزون في الشؤون العسكرية، يتفوق حلف شمال الأطلسي على روسيا بشكل كبير في معظم الجوانب العسكرية التقليدية، الناتو ينفق ما يقرب من عشرة أضعاف ما تنفقه روسيا على قواتها المسلحة، حيث تصل ميزانية الناتو إلى 1.19 تريليون دولار سنويًا، مقارنة بميزانية روسيا التي تبلغ حوالي 127 مليار دولار فقط، هذا التفوق المالي يمكّن الناتو من تعزيز قدراته الدفاعية والهجومية بشكل غير مسبوق، ويمنحه اليد العليا في امتلاك أسلحة حديثة ومتقدمة.
على الرغم من أن الولايات المتحدة هي اللاعب الأساسي في هذا الإنفاق، فإن دول الناتو الأوروبية أيضًا تسهم بنصيب كبير، حيث يبلغ إجمالي إنفاقها العسكري حوالي 430 مليار دولار، وهو ما يتجاوز ميزانية روسيا حتى مع مراعاة الفارق في القوة الشرائية، من حيث القدرات الجوية، تمتلك دول الناتو أكثر من 5400 طائرة مقاتلة، منها 2073 في أوروبا وحدها، بينما تملك روسيا 1026 طائرة مقاتلة فقط.
*الفجوة التكنولوجية.. تحديات أمام روسيا*
إحدى النقاط التي تسلط الدراسة الضوء عليها هي الفجوة التكنولوجية الكبيرة بين روسيا والناتو.
في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الإلكترونية المتقدمة، يتقدم الناتو بفارق ملحوظ، مما يصعب على روسيا سد هذه الفجوة في المستقبل القريب.
التكنولوجيا العسكرية أصبحت اليوم أحد أهم محددات التفوق في الحروب الحديثة، خاصة مع إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتوجيه العمليات بشكل أكثر كفاءة.
ويزيد من تعقيد الوضع أن روسيا تعاني من تباطؤ اقتصادي وتراجع في الصناعات التكنولوجية بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ عام 2014 بعد ضمها لشبه جزيرة القرم.
هذه العقوبات أعاقت قدرة روسيا على تطوير تقنياتها العسكرية بشكل مستقل، وأثرت سلباً على قدراتها في تصنيع الأسلحة الحديثة.
*قوة نووية هائلة*
على الرغم من التفوق التقليدي للناتو، تشير الدراسة إلى أن روسيا ما تزال قوة نووية هائلة، ففيما يتعلق بالأسلحة النووية الاستراتيجية، يكاد التوازن بين الطرفين يكون متعادلاً.
روسيا تمتلك 129 قاذفة قنابل استراتيجية، بينما تمتلك الولايات المتحدة 140 قاذفة، هذا التوازن النووي يضع حداً لأي تصعيد تقليدي قد يتحول إلى مواجهة شاملة بين الطرفين.
لكن هذا التعادل النووي يزيد من حساسية الأوضاع، حيث إن أي خطأ في الحسابات السياسية أو العسكرية قد يؤدي إلى كارثة نووية، ويشدد الباحثون في الدراسة على أهمية الحفاظ على معاهدات الحد من التسلح النووي مثل "نيو ستارت"، والتي تعد آخر الاتفاقات الكبيرة التي تنظم التسلح النووي بين روسيا والولايات المتحدة.
*مخاطر الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات العسكرية*
أحد الجوانب التي تثير القلق هي إمكانية إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، حيث تشير بعض التقارير إلى أن روسيا تعمل على تطوير أنظمة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية.
في المقابل، تستثمر دول الناتو، وخاصة الولايات المتحدة، بشكل مكثف في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة للتحكم في الأسلحة وتوجيه الطائرات دون طيار.
هذا السباق التكنولوجي يثير مخاوف من استخدام غير أخلاقي أو غير محسوب لهذه التقنيات في ساحات المعارك، ففي غياب الأطر التنظيمية والقانونية الدولية التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، قد تنجم عن ذلك عواقب وخيمة على الأمن العالمي.
وقد حذر العديد من الخبراء من أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يزيد من احتمالات اتخاذ قرارات غير محسوبة تؤدي إلى تصعيدات غير متوقعة.
*استغلال التفوق لصالح الاستقرار العالمي*
ورغم التفوق العسكري للناتو، دعا الباحثون في الدراسة إلى ضرورة استغلال هذا التفوق التقليدي لإطلاق مبادرات جديدة للحد من التسلح.
فتفوق الناتو على روسيا يجب أن يشكل دافعاً لتقليل التوترات وإقامة حوار سياسي يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار.
ويؤكد الباحثون، أن التوصل إلى اتفاقيات جديدة حول الحد من التسلح قد يسهم في تقليل مخاطر التصعيد العسكري، ويخلق مناخًا من الثقة المتبادلة بين القوى الكبرى.