مقابر بالشوارع ودخان ورماد.. ما الذي تبقى من قطاع غزة وسط خوف وهلع وموت؟
مقابر بالشوارع ودخان ورماد في غزة
بدأت الحرب في 7 أكتوبر من العام الماضي؛ مما وضع قطاع غزة في دمار شامل وحول القطاع إلى كتلة من الركام والدخان المتصاعد نتيجة للقصف الإسرائيلي المستمر، الذي دمر ما يقرب من 75% من القطاع، مع عدم وجود مستشفيات وسط ملايين المصابين والنازحين، وعدم وجود مساعدات إنسانية كافية لما يقرب من 2 مليون مواطن في القطاع.
ومؤخرًا تحول القطاع مع الإمطار إلى أزمة كبرى نتيجة لانتشار الأمراض الشتوية ما بين النازحين، وكذلك عدوى بكتريا باتت تصيب جنود إسرائيل المقتحمين للقطاع، وقد أثار ما يحدث في القطاع من محاولات أممية وعالمية لإنهاء الصراع المنتشر منذ أكتوبر الماضي وخلف أكثر من 16 ألف قتيل وأضعافهم من الجرحي.
مقابر غزة لم تسلم من الصراع
وتحول قطاع غزة إلى كتلة رماد، حيث بدأت بتدمير القوات البرية الإسرائيلية لعشرات القبور خلال عملياتها العسكرية شمالي قطاع غزة، فيما لا يقل عن 6 مناطق للدفن تم تدميرها خلال تقدم القوات الإسرائيلية في مناطق متفرقة من غزة.
كما دمرت مركبات عسكرية إسرائيلية عشرات القبور في أوائل ديسمبر، بجوار موقع إسرائيلي موجود على بعد مئات الأمتار إلى الشمال الغربي من المقبرة التونسية، وقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية في حي جباليا بمدينة غزة آثارًا جديدة ومركبات عسكرية محتملة فوق مقبرة الفالوجة.
متاهة غزة المميتة
ومع تواصل الحرب وصف أكثر المتابعين للحرب بأن عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة قد ارتفع في ديسمبر الماضي مقابل هجومه البري في عام 2014، وهو ما يعكس حجم توغله في القطاع ومدى براعة حركة حماس في استخدام أسلوب حرب العصابات وترسانتها الكبيرة من الأسلحة، حيث أصبح قطاع غزة متاهة أمام القوات الإسرائيلية التي بدورها سيطرت على الشوارع والمحاور الرئيسية، وحتى مع اكتشاف القوات الإسرائيلية إلى المزيد من الانفاق، لم يمنع حركة حماس في استخدام المزيد في الحرب؛ وهو ما يؤدي إلى خسارة كبرى للجنود الإسرائيليين.
معاناة سكان غزة مستمرة تحت رحمة المساعدات
4 أشهر من حرب شوارع لم تتمكن فيها إسرائيل بعدتها وأسلحتها الكبيرة من محاصرة حركة حماس التي تتخذ من الأنفاق مركزًا لها، لكن حماس فقدت بالفعل السيطرة على أجزاء عديدة من شمال قطاع غزة الذي تحول إلى منطقة عسكرية مغلقة تعزلها إسرائيل عن جنوب وادي غزة.
وهو ما خلق ملايين النازحين من نساء يعيشون المعاناة، وأغنياء فقراء، أطفال بلا مدارس، مقابر وسط الشوارع، ركام ودخان يملأ الأجواء، خيم تنتشر في كل مكان، عراك وسط الطوابير نحو طعام المساعدات التي بالكاد تصل للمخيمات.
الحرب كإنها موجة تسونامي توشك أن تبتلع غزة بمن عليها أمام أنظار العالم، ورغم المحاولات والجهود الحثيثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فشل الجميع في إيقاف آلة الموت التي تحولت إلى آلة مجنونة.
وفي الميدان، وبعد أن فقدت حماس سيطرتها، تركت مواطنين أهالى قطاع غزة يواجهون قدرهم المليء بالمرارة، وانتشرت مظاهر الانفلات الأمني في أنحاء قطاع غزة، وأصبحت ظاهرة السرقة والسطو المسلح كابوسا يؤرق العائلات بعد انسحاب الشرطة وتحول البعض من عناصرها إلى قطاع طرق، وأصبح المهجرون تحت رحمة تجار الحروب، وبات الحصول على سلعة غذائية يقتضي دفع ثمنها بعشرة أضعاف، وبينما يجد الناس أنفسهم في هذا الوضع السيء الذي فرضه خيار السنوار ومن معه، تخاطبهم قياداتها من الدوحة لتحييهم على الصمود والتضحية.
وقال الدكتور محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني: إن ما يحدث في قطاع غزة أزمة إنسانية كبرى، وعدد قتلى الحرب في قطاع غزة خلال 4 أشهر أكبر بكثير من قتلي حرب أوكرانيا التي تدخل عامها الثالث، والعالم لا ينظر سوى لنفسه ومصالحه فقط، ويعامل سكان قطاع غزة وكإنهم ليسوا بشرًا، حتى المساعدات تدخل بالكاد ولا تكف لحياة إنسانية، وبالتالي على الجميع مراجعة نفسه وعلى مجلس الأمن اتخاذ قرارًا في ظل حكم المحكمة الدولية بإدانة إسرائيل.
وأضاف "الهباش" - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"-، أن هناك ما يقرب من 62% من المباني في غزة قد تضررت أو دمرت، وهي جريمة تسمى "قتل المنازل"، التدمير الجماعي للأحياء، في القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي، والآن لابد من وقف الحرب وإعمار قطاع غزة من جديد، والبدء في مفاوضات حل الدولتين لحماية أكثر من 7 مليون مواطن.
ويرى عادل الزعنون المحلل السياسي الفلسطيني، أنه على الرغم من أن ليس هناك الكثير مما يمكن لأعمال الإغاثة أن تفعله للتخفيف من مثل هذه الكارثة، ولكن وقف تمويل وكالة "الأونروا" سيشكل ضربة موجعة للشعب المتواجد في قطاع غزة، حيث تزيد من المعاناة، فهناك مواطنين يعيشون في أزمات كبرى.
وأضاف "الزعنون" - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"-، أن الأطفال الفلسطينيين في غزة سوف يموتون بالآلاف، حتى لو تم رفع الحواجز أمام المساعدات اليوم، خاصة وإن المساعدات التي تدخل القطاع تكفي بنسبة لا تتجاوز الـ 20%، وهناك بعض المواطنين يموتون جوعًا، وكل يوم تتساقط القنابل سيجعل الأمور أسوأ، ليس لإسرائيل فقط بل للعالم أجمع.