عدنا إلى لا شيء.. الفلسطينيون في شمال غزة بين الموت والدمار
عدنا إلى لا شيء.. الفلسطينيون في شمال غزة بين الموت والدمار
أكدت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أنه مع دخول الهدنة الهشة يومها الثاني عشر، بدأ عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالعودة إلى الأحياء المدمرة في شمال غزة، بعد نزوحهم خلال الحرب بين إسرائيل وحماس، لكن ما وجدوه عند عودتهم لم يكن سوى أنقاض منازلهم، وذكريات مؤلمة عن أسرٍ تفرقت وأحلام دُمرت.
دمار فقط
كان خميس وأحمد عمارة يعلمان أنهما لن يجدا سوى الركام عند عودتهما إلى منزلهما في حي الشجاعية بمدينة غزة، لكنهما لم يتمكنا من البقاء بعيدًا. فوالدهما وشقيقهما لا يزالان تحت الأنقاض، أكثر من عام بعد أن استهدفت غارة إسرائيلية منزلهم.
وقف خميس وسط الشجاعية، محاطًا بالدمار، وقال بصوت متهدج: "عندما عدت إلى هنا، تمزق قلبي. الشيء الوحيد الذي أعادني هو والدي وأخي. لا أريد شيئًا آخر، فقط أن أجد جثتيهما، هذا كل ما أطلبه".
في أول 72 ساعة بعد فتح ممر نيتساريم من قبل القوات الإسرائيلية، عاد نحو 500 ألف فلسطيني إلى شمال القطاع، وفقًا لمكتب حكومة غزة.
وقطع الشقيقان عمارة 11 كيلومترًا للوصول إلى الشجاعية، في رحلة محفوفة بالمخاطر، بصحبة أطفال صغار. وعند وصولهم، وجدوا منزلهم شبه مدمر، باستثناء غرفة واحدة لا تزال واقفة جزئيًا. أثناء البحث وسط الأنقاض، عثر خميس على حقيبة والدته الخضراء للحياكة، بداخلها بكرات من الصوف وإبر كأنها وضعتها للتو.
قال خميس والدموع تملأ عينيه: "كانت تحب الحياكة، كانت تحب الصوف والأشياء الجميلة. كانت تحكي لنا القصص، وكانت تحب القصص القديمة. الله يكون معكِ يا أمي".
تفاقم الأزمة الإنسانية
أُصيبت والدة خميس وأحمد في غارة إسرائيلية، وتم إجلاؤها لاحقًا إلى مصر للعلاج، في واحدة من الحالات النادرة التي سُمح لها بالخروج قبل أن تغلق إسرائيل معبر رفح في مايو 2024.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فقد تم إجلاء 436 مريضًا فقط منذ ذلك الحين، رغم الحاجة الملحة لإجلاء 12,000 مريض آخرين.
وتُشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 69% من مباني غزة قد دُمرت أو تضررت خلال الحرب التي استمرت 15 شهرًا، وكانت مدينة غزة الأكثر تضررًا.
وطوال الحرب، أرغمت إسرائيل معظم سكان شمال غزة على النزوح جنوبًا، ومنعت عودتهم لفترة طويلة. اليوم، يعود الكثيرون للمرة الأولى منذ أكثر من عام، ليواجهوا واقعًا قاسيًا: لا مياه، لا كهرباء، لا غذاء، ولا حتى مأوى.
قال خميس: "عند التنقل بين الأحياء، تجد أكوامًا من الأنقاض والجثث التي لم يتم انتشالها بعد، بعضها حديث، والبعض الآخر متحلل".
وقال محمد صالحة، مدير مستشفى العودة في تل الزعتر، إن الوضع الإنساني في الشمال سيئ للغاية، لدرجة أن بعض العائدين اضطروا للعودة إلى المخيمات في الجنوب.
أروى المصري، التي نزحت من بيت حانون، قالت إن أفراد عائلتها ذهبوا إلى هناك حديثًا لتقييم الأضرار، لكنهم صُدموا مما رأوه.
كن حتى هذا الملجأ غير مضمون، حيث تواجه الأونروا حظرًا إسرائيليًا قد يؤُدي إلى وقف عملياتها.
لن نرحل
بالنسبة لعائلة عمارة، كان الدمار الذي رأوه مجرد فصل آخر في معاناتهم الطويلة. قال أحمد إن 11 فقط من أفراد أسرته الممتدة، البالغ عددهم 60 شخصًا، نجوا من الحرب.
قال أحمد: "ابنتي أمضت 45 يومًا في العناية المركزة، وابني الصغير لا يزال مصابًا بصدمة بعد أن رأى والدته تُقتل أمامه"، مشيرًا إلى أن ابنته فقدت القدرة على تحريك ذراعها اليمنى بسبب شظية أصابتها في العنق والقدم.
فقد خميس زوجته بعد أسبوع واحد من إنجاب ابنتهما، التي قُتلت هي الأخرى. "انتظرت طويلًا لكي أنجب طفلة، ثم اختفت هي وأمها معًا"، قال وهو يبكي.
وأضاف أن مقابر أحبائهم دمرت بالجرافات بعد دفنهم بأيام. "حتى الشهداء لم يسلموا".
رغم كل ذلك، أكد خميس أنه لن يُغادر غزة: "أنا من غزة ولن أرحل. حتى لو كان الوضع أصعب، سأبقى هنا. لن أغادر غزة إلا إلى الجنة".
ومع استمرار الأوضاع الكارثية، تُواجه غزة مستقبلًا مجهولًا. وبينما يُناقش الساسة مصير القطاع، يبقى السكان أمام خيار صعب: البقاء وسط الدمار، أو البحث عن مأوى في أماكن أخرى، بلا ضمانات.