المآذن صامتة.. رمضان في غزة بلا أذان وسط الدمار والمعاناة
المآذن صامتة.. رمضان في غزة بلا أذان وسط الدمار والمعاناة

في كل عام كان لشهر رمضان في قطاع غزة طابعه الخاص، حيث تمتزج روحانيات الشهر الكريم بصوت الأذان الذي يصدح من مآذن المساجد، معلنًا أوقات الإفطار والسحور.
لكن رمضان هذا العام مختلف تمامًا. فقد أطفأت الحرب أنوار المساجد، وأسكتت أصوات المآذن، وغيرت العادات التي طالما توارثها السكان جيلاً بعد جيل.
رمضان بلا أذان
ولم يعد سكان غزة يعتمدون على صوت المؤذنين لمعرفة موعد الإفطار، إذ باتت عقارب الساعة هي دليلهم الوحيد، فمع تدمير معظم المساجد بفعل القصف المستمر، باتت الأجواء الرمضانية خالية من أحد أهم طقوسها.
في الأحياء التي كانت تعج بالمصلين وأصوات الدعاء، لم يعد يسمع سوى دوي الطائرات والانفجارات التي تمزق صمت الليل.
وفي ظل هذا الوضع، يجد الكثيرون أنفسهم ينتظرون دقائق طويلة قبل بدء الإفطار، خشية تناول الطعام قبل الموعد المحدد، فالعادة التي اعتادها سكان غزة لعقود "الإفطار على صوت الأذان" لم تعد ممكنة؛ مما خلق شعورًا غريبًا بالحزن والاغتراب وسط مدينتهم.
المساجد بين الركام
وعلى امتداد القطاع، تنتشر مشاهد المساجد المدمرة، تلك المباني التي كانت قبل شهور قليلة مراكز للعبادة والتعليم والخدمة المجتمعية، أصبحت أكوامًا من الحجارة والركام، والمصلون الذين كانوا يملؤون صفوف المساجد لصلاة التراويح والقيام، باتوا يبحثون عن أماكن بديلة للصلاة، بين الأزقة الضيقة أو داخل الخيام التي نصبت للإيواء بعد تدمير منازلهم.
فقدان المساجد لم يكن مجرد خسارة معمارية، بل هو ضربة قاسية للروح الجماعية في غزة، هذه الأماكن لم تكن تقتصر على أداء الصلوات فحسب، بل كانت مراكز لنشاط اجتماعي واسع، تقام فيها موائد الرحمن، وتتلى فيها الدروس الدينية، ويلجأ إليها الناس للراحة والطمأنينة في أوقات المحن.
محاولات يائسة لإيجاد البدائل
وسط هذا الدمار، يحاول السكان خلق بدائل ولو مؤقتة، في بعض الأحياء، أقيمت زوايا صغيرة للصلاة باستخدام قطع القماش والخشب المتناثر، لكن هذه الحلول ليست كافية لتعويض الخسارة الكبرى.
فالافتقار إلى مكبرات الصوت، وانقطاع الكهرباء، وصعوبة تأمين أماكن وضوء مناسبة، جعل إقامة الصلوات الجماعية أمرًا شبه مستحيل.
حتى في المخيمات التي نصبت لإيواء النازحين، حيث تحاول بعض العائلات تنظيم تجمعات للصلاة، يبقى الأمر تحديًا أمام الظروف الجوية الصعبة، وانعدام البنية التحتية، والخوف المستمر من تجدد القصف.
معاناة مستمرة في كل تفاصيل الحياة
لم يقتصر تأثير الحرب على الجانب الديني فقط، بل امتد ليشمل أدق تفاصيل حياة السكان، فقد حرم الكثيرون من أبسط مستلزمات الحياة، بما في ذلك الماء والطعام والكهرباء، ارتفاع الأسعار جعل تأمين وجبة الإفطار أمراً صعبًا، فيما تعتمد العائلات بشكل متزايد على المساعدات التي تصل بشكل متقطع وغير كافٍ.
بينما الأطفال، الذين اعتادوا اللعب في الشوارع بعد الإفطار، فلم يعد بإمكانهم الخروج بسبب القصف والخوف من المجهول، والمسنون الذين كانوا يجلسون في ساحات المساجد بعد صلاة التراويح، يقضون لياليهم في ظلام دامس داخل المنازل المهدمة جزئيًا أو في العراء.
وفي غزة، حيث كان رمضان فرصة للالتقاء والتآخي، بات هذا الشهر الكريم يمرّ بصمت غير معتاد. لا مآذن ترفع الأذان، ولا تجمعات في المساجد، ولا موائد رحمن تستقبل الفقراء والمحتاجين.
الصلوات تؤدى بصعوبة، والأدعية التي كانت تتلى في أجواء هادئة داخل المساجد، باتت ترتفع وسط أصوات الطائرات والقذائف.
ومع استمرار الحرب، يتشبث سكان القطاع بما تبقى لهم من أمل، في انتظار يوم يعود فيه الأذان ليصدح مجددًا في سماء غزة، وتنفض المدينة عنها غبار الحرب، وتعود لممارسة طقوسها الرمضانية التي لطالما ميزتها عن غيرها من المدن.