عيد بلا أضاحي.. كيف التهم الغلاء طقوس العيد في اليمن؟

عيد بلا أضاحي.. كيف التهم الغلاء طقوس العيد في اليمن؟

عيد بلا أضاحي.. كيف التهم الغلاء طقوس العيد في اليمن؟
عيد الأضحى

في زمنٍ كانت فيه الأضحية رمزًا للفرح والتكافل، بات اليمني ينظر إلى عيد الأضحى كعبء ثقيل لا طاقة له به، تلاشت البهجة أمام طوفان الغلاء، وانهارت طقوس العيد بين رفوف أسواق تعجّ بالأسعار الخيالية، ومحافظ خاوية لا تملك سوى الحسرات.


أكثر من عقد من الحرب جرّ اليمن إلى انهيار اقتصادي عميق، ترك أثره القاسي على كل تفصيلة من تفاصيل الحياة، وكان لعيد الأضحى نصيب الأسد من هذا التدهور، تتضاعف أسعار الأضاحي كل عام، ولا يجد المواطن اليمني في الأسواق سوى معادلة مستحيلة: لحظة من الفرح بثمن شهرٍ من الجوع، بين الجبايات المفروضة من سلطات الأمر الواقع وغياب الرقابة، وبين ضعف القدرة الشرائية وانهيار العملة، يضيع الحلم بأضحية ويحلّ مكانه شعور بالفقد والخذلان. 

*الأضحية في ميزان الحرب: عيد الأضحى في زمن الانهيار*


لم تعد الأضاحي في اليمن متاحة كما كانت، لا كمظهر من مظاهر العبادة، ولا كتقليد عائلي يحتفل به الصغير قبل الكبير، بل تحوّلت إلى مشهد طبقي حاد، يميّز بين من يستطيع الوصول إلى السوق، ومن يكتفي بمشاهدته من بعيد. 

الحرب التي دخلت عامها الحادي عشر أكلت الأخضر واليابس، وجعلت أسعار المواشي تتضاعف إلى حد غير مسبوق، إذ تجاوز سعر الخروف 250 دولارًا، بينما ارتفع سعر البقرة إلى أكثر من 1500 دولار، وهي أرقام بعيدة كل البعد عن متناول أغلب اليمنيين، خاصة وأن متوسط الدخل الشهري في بعض المناطق لا يتجاوز 70 دولارًا.

*الجبايات: فواتير الحرب يدفعها المواطن*


يشتكي التجار في أسواق المواشي من جملة أعباء تبدأ بارتفاع تكاليف النقل، ولا تنتهي عند الضرائب والرسوم المفروضة من قِبل جماعة الحوثي.

فمع كل موسم، تفرض هذه الجماعة جبايات جديدة تحت مسميات مختلفة مثل: "رسوم تنظيم السوق" أو "دعم المجهود الحربي"، وهي أعباء تنعكس مباشرة على الأسعار، ليتحملها في النهاية المواطن الذي يجد نفسه بين مطرقة الغلاء وسندان الحاجة الدينية والاجتماعية.

وقد دفع هذا الوضع ببعض التجار إلى اللجوء لأسواق بديلة تُقام على هامش الطرق أو في أطراف المدن لتفادي الجبايات، لكنها بدائل محفوفة بالمخاطر، إذ تفتقر إلى الرقابة الصحية، وتعج أحيانًا بمواشٍ مريضة أو غير صالحة للذبح، مما يزيد من مخاوف المواطنين.

*قرارات تضيق الخناق: الاستيراد محظور والبدائل غائبة*


وفي محاولة لتعزيز الإنتاج المحلي، قررت سلطات الحوثيين في بعض المناطق الحد من استيراد المواشي، لكن القرار، وإن بدا وطنيًا في ظاهره، زاد من معاناة السوق والمستهلك على حد سواء.

فالإنتاج المحلي غير قادر على تلبية الطلب المتزايد في موسم الأضحى؛ مما فتح باب الاحتكار ورفع الأسعار.

كما أن عدم وجود دعم حكومي حقيقي للمربين المحليين جعل عملية التربية نفسها مكلفة، وهو ما انعكس على تكلفة الأضحية.

*أرقام لا ترحم: الرواتب لا تقابل الأسعار*


تبدو الفجوة بين الرواتب وأسعار الأضاحي كهاوية لا يمكن عبورها. إذ يبلغ سعر الماعز أو الخروف ما بين 100 إلى 160 دولارًا، في حين أن متوسط الراتب الرسمي في البلاد لا يتجاوز 90 دولارًا.
أما سعر كيلو اللحم الطازج، فقد ارتفع إلى حدود 20 دولارًا في بعض المدن، مما جعل حتى فكرة شراء بضع كيلوات من اللحم أمرًا صعب المنال.

تقول أم عزيز -ربة منزل من صنعاء- في حديثها لـ"العرب مباشر": "كنا في الماضي نذبح خروفًا ونوزع اللحمة على الجيران، أما اليوم فحتى شراء ربع خروف أصبح حلمًا بعيدًا"، وتضيف: "أطفالي لم يعرفوا طعم لحم العيد منذ أربع سنوات".

*أسواق بلا ضوابط: التلاعب في الأسعار وتقويض الثقة*


غياب الرقابة على أسواق المواشي ساهم في تفشي الفوضى، إذ لا توجد جهة رسمية تضبط الأسعار أو تراقب جودة المواشي، ما ترك المجال واسعًا أمام التجار للتلاعب.

في بعض الأسواق، تباع نفس الأضحية بسعرين مختلفين في اليوم ذاته، فيما تُعرض مواشٍ بأمراض ظاهرية دون أن تُخضع لأي فحص بيطري.

هذا الانفلات جعل المواطنين يفقدون الثقة بالمؤسسات الرقابية، وولد شعورًا عامًا بأن الدولة ـ إن وُجدت ـ لا تعمل لصالحهم. يقول أحد المواطنين في صنعاء: "حتى الأضحية أصبحت سوقًا سوداء".

*العيد.. طقوس تحتضر*

في السنوات الأخيرة، تحوّل العيد في اليمن إلى مناسبة حزينة، الشوارع لم تعد تضجّ بالحركة، والأسواق لم تعد تكتظ بالمشترين، والأطفال باتوا يسألون: "هل سنذبح خروفًا هذا العيد؟" وكثير من الآباء لا يملكون سوى الصمت كإجابة.

المعاناة لا تقف عند حدود الفقر فقط، بل تتجاوزها إلى شعور اليمني بأنه محاصر من كل الجهات: من الأسعار، ومن الضرائب، ومن غياب الأفق، وتحولت الأضحية من طقس ديني جماعي إلى قصة فردية محزنة، لا يستطيع سوى القليل أن يرويها من دون ألم.