كتاب سري وإستراتيجيات دموية.. الدستور الأحمر يكشف عن توجهات حكومة أردوغان المتطرفة

كشف الدستور الأحمر عن توجهات حكومة أردوغان المتطرفة

كتاب سري وإستراتيجيات دموية.. الدستور الأحمر يكشف عن توجهات حكومة أردوغان المتطرفة
وزير الداخلية التركي

تدير الحكومة التركية لعبة السياسة الخارجية بوجهين، وربما أكثر، فتعتمد على خطاب الكراهية للغرب والعرب داخليًا فيما بين أنصارها وأفرادها، ثم توجه خطابات الصديق والحليف للغرب حينا، والتخويف بملف الإسلاموفوبيا في الغرب حينًا آخر.  

وفجَّر كبير مسؤولي الأمن الداخلي التركي ووزير داخلية البلاد، سليمان صويلو، مفاجأة من العيار الثقيل مؤخرًا، عندما كشف عما يسمى بـ"الكتاب الأحمر" أو "الدستور السري لتركيا"، والذي يصف الولايات المتحدة بأنها أكبر تهديد للأمن القومي التركي فيما يعتبره نظام رجب طيب أردوغان وثيقة سياسية شديدة السرية.  

وحسبما نقلت "نورديك مونيتور"، ففي مقابلة مع قناة "تي في نت" التابعة للجماعات الإسلاموية في تركيا، يوم 23 مارس 2022، قال وزير الداخلية سليمان صويلو: إن الكتاب الأحمر، الذي يحمل عنوان "وثيقة سياسة الأمن القومي"، تمت إعادة كتابته وصياغته وفقًا لما وصفه بالقيم الأساسية، زاعمًا أنه تمت الموافقة عليه من قِبل الشعب التركي دون أي اعتبار لحلفاء تركيا القدامى من الولايات المتحدة وأوروبا.

وجاءت تصريحات وزير الداخلية التركي وسط سلسلة من التعليقات المعادية للغرب، وخاصة المعادية للولايات المتحدة، التي أدلى بها خلال المقابلة، والتي تجرأ فيها لإعلان تحدي تركيا في سوريا، والقتال مع القوات التركية.

ورداً على سؤال وجهه الداعي الحكومي نديم سينر، الذي زعم خلال المقابلة أن تركيا ستتعرض لهجوم من قِبل أحد حلفاء الناتو في المستقبل، قال صويلو: إن "الكتاب" لا يعترف بالولايات المتحدة أو أوروبا على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن الكتاب الأحمر ليس وثيقة قانونية، بل هو عبارة عن ورقة مفاهيم سياسية وإستراتيجية، إلا أنه من الناحية العملية يعتبر وثيقة أساسية في تحديد التهديدات الداخلية والخارجية، ويعتمد عليه المسؤولون الأتراك في تشكيل قرارات السياسة من قِبل الوكالات الحكومية. 

ومنذ عام 2014، تستخدم حكومة رجب طيب أردوغان "الكتاب الأحمر" كأساس أيديولوجي لملاحقة منتقديها وخصومها السياسيين والمعارضين؛ إذ يقوم هذا الكتاب على إعادة صياغة سياساتها الخارجية القائمة على الإسلامويين كتوجيهات أقرتها الدولة.

واعتبر صويلو أن بعض البلدان المذكورة في الكتاب الأحمر لم تشكل أبدًا تهديدًا لتركيا، وهذا يعني أن إيران، لم تعد مصنفة كعدو للأتراك، وإنما حليفًا في ظل حكومة أردوغان.  

واعتبرت "نورديك مونيتور" أن الكشف عن الكتاب الأحمر، المصنف على أعلى مستوى من السرية في تركيا، جريمة يعاقب عليها بالسجن. وأضافت: أنه ربما لهذا السبب لم يتقدم صويلو بتفاصيل كاملة عن تقييمات التهديد الجديدة التي تم إجراؤها على الكتاب، ولكنه اقترح بدلاً من ذلك كيف تمت صياغته بما يتماشى مع نهج الحكومة تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويعد صويلو، وزير الحكومة التركي الأكثر عداءً للولايات المتحدة، فهو واحد من القلائل الذين لديهم تأثير مباشر في صياغة مراجعات للكتاب الأحمر الخاص بتحديد توجهات وسياسات الحكومة التركية.

وتشارك وزارة الداخلية وهيئة المخابرات الوطنية وهيئة الأركان العامة هي مؤسسات الدولة الرئيسية الثلاث التي تقوم بإدخال وجهتها ورؤيتها وتعمل في مراجعة الكتاب الأحمر وصياغته.

وقال صويلو وهو يتجرأ على الولايات المتحدة: "أريد أن أعبر عن شيء واحد. الغرب لا يحبنا. كلنا نرى…. قيمنا مختلفة. ديننا مختلف"، قائلاً: إن الولايات المتحدة تريد إقامة ما أسماه "دولة إرهابية" في شمال سوريا من خلال حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية. وتعهد قائلاً: "ليست أميركا واحدة فقط، ولكن حتى لو أتت" ألف أميركا "[إلى سوريا]، فلن نسمح بذلك".

وردا على سؤال حول ما إذا كانت تركيا ستصطدم في نهاية المطاف بالقوات الأميركية في سوريا، قال صويلو: إن الولايات المتحدة لا يمكنها المجازفة بمواجهة تركيا. وأضاف: "من الضروري سؤال الولايات المتحدة عما إذا كان الأميركيون مستعدين للمجازفة [بالاشتباك مع القوات التركية]".

ثم واصل انتقاد الولايات المتحدة، حليف تركيا العلني في الناتو، قائلاً: "إن الأمر لا يشبه ارتداء بدلة جميلة وقول بعض الكلمات المصقولة. تعالوا أيها الأميركيون، وضعوا نقودكم هنا حيث تطلقون تصريحاتكم. نحن ننتظر هنا. نحن وضعنا أعناقنا [في سوريا] ".

ويُعرف وزير الداخلية التركي بآرائه اليمينية المتطرفة، ويؤيده حزب الحركة القومية، الشريك والحليف لحكومة الرئيس أردوغان الإسلامية. وكثيرًا ما أدلى بتعليقات ضد الولايات المتحدة وأوروبا، وانتقد حلفاء تركيا في الناتو، في خطاباته.

وأشار التقرير إلى أن الكتاب الأحمر، وهو مستند شديد السرية، بنموذج حقبة الحرب الباردة في تحديد إستراتيجيات الأمن القومي لتركيا. وتتم مناقشتها والموافقة عليها من قِبل مجلس الأمن القومي (MGK)، وهي مؤسسة تعمل رسميًا كهيئة استشارية للحكومة، ولكنها في الواقع تعمل كحكومة ظل مع سيطرة الجيش وأجهزة المخابرات على السياسات. لا دور لمجلس النواب في مراجعة الوثيقة.

ويسرد الكتاب ما يعتبره التهديدات الداخلية والخارجية بترتيب الأهمية، ثم يتم مناقشة الأدوات والأساليب الجسدية والنفسية لمواجهة هذه التهديدات، ووضع الخطط. التي تم إعدادها وفق المفهوم الإستراتيجي والعسكري على أساس الكتاب الأحمر. ويتم تنظيم أفرع الحكومة على هذا الأساس، وتشرف عليها الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي. وتتم مراجعته كل أربع إلى خمس سنوات.

وفي النسخ السابقة من الكتاب، كان يُنظر إلى الشيوعية على أنها أكبر تهديد لتركيا بعد انضمامها إلى الناتو وطوال الحرب الباردة من حيث التهديدات المحلية، ثم تم مؤخرًا إدراج الأقليات الدينية والعرقية والانفصالية الكردية والرجعية الدينية والقومية في أوقات مختلفة. وتحت حكم أردوغان على مدى العقدين الماضيين، تم شطب القومية والتعصب الديني، وأضيفت تهديدات جديدة إلى القائمة وفق منهج حكومة أردوغان.

ويستخدم الأتراك الكتاب الأحمر كمبرر للأعمال غير القانونية وغير الدستورية، حيث قامت الوكالات الحكومية التركية بتصنيف المواطنين المطمئنين على أساس أيديولوجيتهم أو معتقداتهم السياسية أو انتمائهم العرقي أو الديني.

وينظر هذا الكتاب المتطرف إلى الأنشطة القانونية للجماعات الدينية المسيحية مثل الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت في تركيا باعتبارها تهديدات للأمن القومي لاستدامة الدولة التركية وقدرتها على البقاء. وأظهرت الوثيقة أن تركيا تعتبر الاتحاد الأوروبي مشروعًا مسيحيًا وعرضت إجراءات على الصعيد الوطني لقمع المسيحيين في تركيا.