قلق أمريكي.. هل تسير سوريا على خطى أفغانستان؟.. خبراء يجيبون
قلق أمريكي.. هل تسير سوريا على خطى أفغانستان؟.. خبراء يجيبون
بين طيات التاريخ السياسي الأمريكي، تبرز دروس من الماضي تلقي بظلالها على الحاضر. اليوم، تواجه واشنطن تحديًا جديدًا يتمثل في إمكانية تكرار سيناريو أفغانستان في سوريا، بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على الحكم، تتزايد المخاوف من أن يؤدي انسحاب مشابه من الملف السوري إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتمكين الجماعات المسلحة من فرض سيطرتها، مع انخراط الولايات المتحدة في التعامل مع "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على أجزاء من سوريا، تُثار أسئلة حول مدى استعداد هذه الجماعة للحكم بطريقة شاملة ومعتدلة، في خضم هذه التحديات، يظهر القلق الأمريكي من الوقوع في الفخ ذاته، حيث تُخدع بوعودٍ فارغة كما حدث مع طالبان. فهل تستطيع واشنطن تفادي تكرار الأخطاء الماضية؟
*الدروس المستفادة من أفغانستان*
عندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021، توقعت واشنطن أن طالبان قد أصبحت أكثر اعتدالًا واستعدادًا للتعاون الدولي، لكن الأحداث كشفت عكس ذلك، سيطرت طالبان على كابول وفرضت نظامًا صارمًا على الحياة اليومية، شمل حظر الموسيقى، إغلاق مدارس البنات، واضطهاد الأقليات.
هذا السيناريو يثير قلق واشنطن من احتمال تكراره في سوريا، مع سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مناطق واسعة، تواجه الولايات المتحدة اختبارًا حاسمًا يتمثل في ضمان عدم استخدام سوريا كقاعدة للجماعات الإرهابية، وفقًا لـ"نيويورك تايمز".
*تحديات التعامل مع هيئة تحرير الشام*
على الرغم من الانخراط الأمريكي مع "هيئة تحرير الشام"، يظل المسؤولون في واشنطن حذرين من نوايا قادتها.
رئيس الهيئة، المعروف بأسلوبه المعتدل في الحديث، يثير مخاوف الأمريكيين بأنه قد يسعى لكسب الدعم الدولي فقط لتعزيز سلطته لاحقًا، وربما فرض حكم صارم مشابه لما فعلته طالبان، بحسب "رويترز".
الرهان الأمريكي هو إقناع الهيئة بتبني سياسات شمولية تعكس تطلعات الشعب السوري وتمنع انزلاق البلاد نحو الفوضى. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب نهجًا دقيقًا يوازن بين الضغوط الدبلوماسية والانخراط الفاعل.
*الأهمية الإستراتيجية لسوريا*
يرى خبراء السياسة الخارجية، أن أهمية سوريا تتجاوز بكثير أفغانستان من حيث التأثير الإستراتيجي على المصالح الأمريكية، خاصة في ظل موقعها الجغرافي الحساس في قلب الشرق الأوسط.
سوريا تعتبر حلقة وصل بين الدول العربية وإيران وتركيا، وتشكل ساحة صراع رئيسية بين القوى الإقليمية والدولية؛ مما يجعل استقرارها أو اضطرابها عاملًا حاسمًا في تشكيل موازين القوى في المنطقة.
في حديثهم لصحيفة "نيويورك تايمز"، أشار الخبراء، أن الاضطرابات المستمرة في سوريا تهدد بتصعيد التوترات الإقليمية، وتعزيز نفوذ الجماعات المتطرفة، وإضعاف جهود مكافحة الإرهاب، مما يفاقم التحديات أمام الولايات المتحدة وشركائها
وأكدوا، أن الحفاظ على استقرار سوريا يتطلب نهجًا أمريكيًا شاملًا يتجاوز الحلول الأمنية، ليتضمن دعم التنمية وإعادة الإعمار.
زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي السابق إلى أفغانستان، شدد على أن أحد أخطاء واشنطن في أفغانستان كان افتقارها للتواصل المباشر مع طالبان في فترة حاسمة، ما سمح للحركة بتعزيز سلطتها دون رقيب.
وأوضح في تصريح لوكالة "رويترز"، أن تكرار هذا الخطأ في سوريا سيكون أكثر تكلفة، بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية للبلاد، داعيًا إلى تبني سياسة أمريكية أكثر انخراطًا وفعالية، تضمن توجيه الأحداث على الأرض بما يخدم المصالح الأمريكية.
*التحديات المستقبلية*
مراقبون أكدوا، أن التعامل مع "هيئة تحرير الشام" لا يخلو من التحديات، على أمريكا أن تتأكد من صدق نوايا الهيئة، وأنها لا تسعى فقط لكسب الوقت لفرض سيطرتها الكاملة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب عليها العمل على منع الجماعات الإرهابية من استخدام سوريا كقاعدة لعملياتها، مما يتطلب رقابة صارمة وتعاونًا إقليميًا واسعًا، بحسب تقرير "نيويورك تايمز".
القلق الأمريكي مشروع، لكنه يتطلب رؤية أكثر شمولية، من الضروري أن تُبقي الولايات المتحدة على تواصل نشط مع الأطراف الفاعلة في سوريا، وألا تكرر أخطاءها السابقة في افتراض تغير نوايا الجماعات المسلحة، بالتزامن مع ذلك، على واشنطن تعزيز دعمها للفصائل المعتدلة وتشجيعها على تقديم نموذج حكم شفاف وشامل يعكس تطلعات السوريين، ويحول دون استغلال الجماعات المتشددة للوضع الراهن.
*عواقب كارثية*
من جانبه، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية: إن سوريا تشكل نقطة ارتكاز في سياسات الشرق الأوسط، حيث إن موقعها الجغرافي يجعلها مفتاحًا لحركة التجارة والطاقة، فضلًا عن كونها مركزًا للصراعات الإقليمية.
وأضاف في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن الولايات المتحدة يجب أن تعي أن تكرار تجربة أفغانستان في سوريا قد يؤدي إلى عواقب كارثية أكبر، بالنظر إلى أن الفوضى في سوريا ستؤثر على الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، وربما تمتد إلى دول منطقة الشرق الأوسط بالكامل.
وأكد د. المنجي، أن واشنطن بحاجة إلى استثمار أكبر في الحلول الدبلوماسية، بما في ذلك تقوية العلاقة مع الفصائل المعتدلة، والعمل على بناء مؤسسات مستقرة تمنع الجماعات المتطرفة من استغلال الفراغ الأمني.
كما شدد أستاذ العلوم السياسية، على ضرورة إشراك القوى الإقليمية الكبرى في صياغة رؤية مشتركة لحل الأزمة السورية؛ مما يحد من تأثير الفاعلين غير الحكوميين، الذين قد يزيدون من تعقيد المشهد.