بين طهران وتل أبيب.. لبنان يدفع ثمن سياسة المواجهة الدائمة لحزب الله
بين طهران وتل أبيب.. لبنان يدفع ثمن سياسة المواجهة الدائمة لحزب الله

في مقال رأي مطوّل نشرته صحيفة التليغراف البريطانية، عاد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون ليطلق تحذيراته من مستقبل لبنان، واصفًا البلاد بأنها "رهينة في يد حزب الله"، وأن الوقت ينفد أمام أي محاولة لإنقاذها من السقوط في دائرة نفوذ إيران ووكلائها.
بولتون، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه طهران وحلفائها، اعتبر أن أي استقرار حقيقي في الشرق الأوسط يمر عبر "تحرير لبنان من حزب الله"، في ظل اقتراب انتهاء ولاية قوات "اليونيفيل" الدولية عام 2026، وسط تشكيك متصاعد بجدوى دورها.
المقال لم يقتصر على توصيف الوضع الراهن، بل استعاد محطات من تاريخ المواجهة بين إسرائيل وحزب الله منذ ثمانينيات القرن الماضي، محذرًا من تكرار إخفاقات سابقة، وداعيًا الغرب إلى التخلي عن الاعتماد على الأمم المتحدة والانتقال إلى دعم مباشر للمؤسسات اللبنانية، في رؤية بولتون، يقف لبنان على مفترق طرق مصيري، إما الخروج من عباءة طهران أو الانزلاق مجددًا إلى فوضى الحرب.
حزب الله "حاكم الظل"
يرى بولتون، أن حزب الله لم يعد مجرد فاعل سياسي ـ عسكري داخل لبنان، بل أصبح بمثابة "حاكم من الظل"، يمسك بمفاصل القرار عبر قوة السلاح والدعم الإيراني.
وبرغم وجود شريحة لبنانية، خصوصًا من الطائفة الشيعية، تمنحه غطاءً شعبيًا، إلا أن قوته الفعلية، حسب المقال، مستمدة من التمويل والتسليح الذي يتدفق من طهران عبر الحرس الثوري وفيلق القدس.
بولتون استعاد في مقاله جذور الصراع، مستشهدًا بهجمات عام 1983 على السفارة الأميركية في بيروت، التي قادها عناصر مرتبطون بالحرس الثوري. بالنسبة إليه، مثلت تلك الأحداث الشرارة الأولى لـ"حرب إرهابية عالمية" ما تزال المنطقة والعالم يعيشان تبعاتها حتى اليوم.
حرب أكتوبر 2023 وما بعدها
في قراءته للأحداث الراهنة، يربط بولتون بين هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، والهجمات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع حزب الله في لبنان وسوريا، معتبرًا أن هذه المواجهة غيّرت المشهد الأمني في الشرق الأوسط بشكل عميق.
وبرغم الخسائر التي تكبدها الحزب، سواء في قياداته أو في ترسانته الصاروخية، فإن بولتون يحذر من أن "قدراته العسكرية ما تزال كبيرة"، وهو ما يعرقل أي أفق لعودة لبنان إلى "الوضع الطبيعي".
جزء مهم من مقال بولتون خصصه للحديث عن فشل القرار الأممي 1701 الذي صدر عام 2006، بعد حرب لبنان الثانية، القرار، الذي كان يهدف إلى نزع سلاح حزب الله ومنع تهريب الأسلحة إليه عبر الحدود، اصطدم بواقع سياسي وأمني لم تسمح إيران والحزب بقبوله. بل على العكس، اعتبر بولتون أن اللامبالاة الدولية والإسرائيلية سمحت للحزب بإعادة تسليح نفسه وتعزيز نفوذه الداخلي، وهو ما مهد لاحقًا لتصاعد تهديداته.
ويذهب بولتون أبعد من ذلك حين يشير إلى أن بعثة "اليونيفيل" فقدت فعاليتها تمامًا، وأنها باتت أشبه بوجود رمزي لا يغيّر في ميزان القوى شيئًا، مع اقتراب انتهاء ولايتها في نهاية 2026.
خيارات الغرب.. بين المواجهة والدعم المباشر
من هذا المنطلق، يدعو بولتون الدول الغربية إلى إعادة النظر في مقاربتها تجاه لبنان. فبدلاً من الاتكال على الأمم المتحدة، يرى أن المرحلة المقبلة تستلزم "دعمًا مباشرًا" للمؤسسات اللبنانية، خصوصًا الجيش والسلطات المدنية، بهدف خلق بديل وطني يمكنه الوقوف بوجه حزب الله.
وفي خطوة تثير جدلاً واسعًا، يشدد بولتون على ضرورة تعاون بيروت مع إسرائيل، ليس فقط في سياق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، بل أيضًا في إطار أي خطة مستقبلية لنزع سلاح الحزب.
هذا الطرح يضع الحكومة اللبنانية أمام معادلة صعبة، إذ يواجه رفضًا داخليًا عارمًا لفكرة التطبيع، لكنه يعكس رؤية أميركية متشددة ترى في حزب الله العقبة المركزية أمام أي استقرار إقليمي.
دولة داخل دولة
من جانبه، اتفق المحلل السياسي اللبناني فادي عاكوم، مع خطورة استمرار حزب الله، مشيرًا أن الاغتيالات الأخيرة ليست سوى النتيجة الطبيعية لسياسة حزب الله التي وضعت لبنان على خط النار منذ سنوات، مؤكدًا أن الحزب حوّل البلاد إلى "ساحة صراع إيرانية – إسرائيلية مفتوحة" على حساب أمن اللبنانيين واستقرارهم.
وأضاف عاكوم -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن حزب الله لم يعد مجرد قوة عسكرية غير شرعية، بل أصبح دولة داخل الدولة، تمتلك قرار الحرب والسلم، وتستدرج العنف الخارجي إلى الداخل اللبناني بلا أي اعتبار لمصلحة الشعب.
واعتبر أن اغتيال قادة الحزب أو حلفائه "ليس مفاجئًا، لأنهم في النهاية جزء من منظومة عسكرية تعمل بأوامر طهران وتستعدي تل أبيب، بينما يظل المواطن اللبناني الأعزل هو الخاسر الأكبر".
وشدد على أن الخطر الحقيقي يكمن في أن "الحزب لا يرى في لبنان وطنًا، بل قاعدة متقدمة في مشروع إقليمي أوسع"، مشيرًا أن استمرار هذا النهج سيعني المزيد من الدماء والمزيد من الانهيار السياسي والاقتصادي، وأن أي حديث عن استقرار حقيقي سيظل وهمًا طالما بقي سلاح الحزب فوق سلطة الدولة.