بعد إدراجه على لائحة الإرهاب.. ما هو "كارتل الشمس" الذي أشعل التوتر بين كراكاس وواشنطن

بعد إدراجه على لائحة الإرهاب.. ما هو "كارتل الشمس" الذي أشعل التوتر بين كراكاس وواشنطن

بعد إدراجه على لائحة الإرهاب.. ما هو
كارتل الشمس

في خطوة تعكس أعلى درجات التصعيد السياسي والأمني بين واشنطن وكاراكاس، أقدمت الولايات المتحدة حديثًا على إدراج ما يُعرف باسم "كارتل الشمس" الفنزويلي ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، هذا القرار، الذي يعيد إلى الواجهة ملف الاتجار الدولي بالمخدرات وشبكات النفوذ داخل المؤسسات الرسمية، يفتح فصلًا جديدًا في العلاقات المتوترة أصلًا بين البلدين، فبينما تؤكد واشنطن أنّ الكارتل وهو تنظيم مزعوم لتهريب المخدرات ويعمل بغطاء رسمي وتحت إشراف شخصيات بارزة في الدولة، من بينها الرئيس نيكولاس مادورو نفسه، تصف فنزويلا هذه الاتهامات بأنها حملة سياسية ذات أهداف جيوسياسية واضحة، وبين الرواية الأمريكية التي تتحدث عن منظومة تهريب ممنهجة، والرواية الفنزويلية التي تعتبرها "أسطورة مصطنعة"، تتصاعد الأسئلة حول حقيقة هذا التنظيم الغامض، وكيف تحوّل المصطلح الذي بدأ كتعبير شعبي في التسعينيات إلى إحدى أكثر القضايا حساسية في ملف الأمن الدولي، وورقة صراع تستخدمها واشنطن في مواجهة حكومة مادورو.

تصنيف أمريكي يفتح الباب أمام تحركات عسكرية وأمنية


يُعدّ تصنيف "كارتل الشمس" منظمة إرهابية أجنبية أحد أكثر الإجراءات تشددًا التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد حكومة مادورو خلال السنوات الأخيرة، فهذه الخطوة لا تقتصر على البعد القانوني فحسب، بل تمنح الأجهزة الأمنية الأمريكية – بما في ذلك الجيش – صلاحيات واسعة لتنفيذ عمليات استهداف مباشرة ضد الشبكات المتهمة بالاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وتهريبها عبر الحدود.


وتأتي هذه الخطوة في إطار نمط متصاعد من الضغوط، بدأ بالعقوبات الاقتصادية، مرورًا بملاحقة مسؤولين فنزويليين قضائيًا، وصولًا إلى مكافآت مالية ضخمة رصدتها واشنطن للقبض على مادورو وأقرب معاونيه.


وفي ظل السياق السياسي المحتدم بعد الانتخابات الأخيرة التي وصفتها واشنطن بـ"غير الشرعية"، يبدو أن التصنيف الجديد لم يكن مجرد إجراء تقني، بل رسالة سياسية موجهة إلى النظام الفنزويلي وإلى الحلفاء الإقليميين الذين يراقبون المشهد بحساسية.

خرافة سياسية


من جهتها، رفضت كاراكاس بشدة الادعاءات الأمريكية، ووصفتها بأنها "اختلاق يفتقر إلى أي أساس واقعي"، تؤكد الحكومة أن المنظمة لم توجد يومًا إلا في الخطاب الإعلامي الأمريكي، معتبرة أن واشنطن تستخدم مصطلح "الكارتل" كأداة سياسية لتبرير التدخل في شؤون دول ذات توجهات لا تتماشى مع سياساتها.
أما وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو، وهو أحد أبرز المستهدفين بالاتهامات، فقد اعتبر الخطوة "محاولة مكشوفة" لضرب الاستقرار السياسي في فنزويلا، ووصلت الانتقادات إلى حد وصف الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو للكارتل بأنه "ذريعة متخيلة" تُستخدم لإسقاط الحكومات اليسارية في المنطقة.

شبكة تتسع مع الفوضى الإقليمية


ظهر مصطلح "كارتل دي لوس سولس" لأول مرة في التسعينيات، حين اتُّهم ضابط رفيع في الحرس الوطني الفنزويلي – كان مسؤولًا حينها عن مكافحة المخدرات – بالتورط في عمليات تهريب. أطلق الصحفيون المحليون اسم "كارتل الشمس" على الضباط بسبب شارات الشمس التي يضعها الجنرالات على زيّهم الرسمي.


غير أن المفهوم لم يكن ينظر إليه حينها باعتباره تنظيمًا هرميًا منظمًا، بقدر ما كان تعبيرًا عن شبهات فردية تطال مسؤولين على صلة بعصابات تهريب كولومبية.


ومع تفكك إمبراطورية "كارتل ميديلين" في أواخر الثمانينيات، نشأت طرق تهريب جديدة بحثًا عن البديل، وكانت فنزويلا – بحدودها الواسعة وموانئها المتعددة – موقعًا مناسبًا لظهور شبكات جديدة.

توسّع النفوذ في عهد تشافيز: غياب الرقابة وفراغ السلطة


مع وصول هوغو تشافيز إلى الحكم، تغيّر المشهد الأمني بشكل ملحوظ، فابتعاد التعاون الأمني بين فنزويلا والولايات المتحدة، وتنامي استقلالية الجيش، خلقا بيئة سمحت للضباط – خاصة في الرتب المتوسطة – بالسيطرة على النقاط الحدودية والمطارات الأساسية، وهي مفاصل حيوية في أي عملية تهريب دولية.
ويرى محللون أن هذا الوضع سمح لشبكات غير رسمية بالتشكل داخل المؤسسات الرسمية، دون أن يتحول الأمر إلى كارتل منظم بمعناه الحرفي، بل إلى "بيئة نفوذ" تستغل الثغرات المؤسسية وتتعامل مع العصابات دون إشراف مباشر من القيادة العليا.


رغم النفي الفنزويلي، تستند واشنطن إلى شهادات ومسؤولين سابقين انشقوا عن النظام، بينهم هوغو كارفاخال وكليفر ألكالا، اللذان أقرّا في المحاكم الأمريكية بارتباطهما بعمليات تهريب، وقدما روايات ادعى الادعاء العام الأمريكي أنها تثبت تورط مسؤولين كبار.


وتدّعي الولايات المتحدة أن الكارتل استخدم المخدرات كسلاح لإغراق الأسواق الأمريكية بالكوكايين، وهو اتهام غير مسبوق في حدّته، حيث انتقلت القضية من تهريب لتحقيق أرباح إلى مستوى "إرهاب مرتبط بالمخدرات".


وفي 2020 رفعت واشنطن سقف المواجهة حين أعلنت مكافآت تصل إلى 50 مليون دولار مقابل معلومات تُؤدي إلى القبض على مادورو، و25 مليونًا بحق ديوسدادو كابيلو، في خطوة أعادت للأذهان مطاردة بارونات المخدرات في أمريكا اللاتينية.