خطوة لبنانية وردّ إسرائيلي.. هل يبدأ فصل جديد في العلاقة بين بيروت وتل أبيب؟

خطوة لبنانية وردّ إسرائيلي.. هل يبدأ فصل جديد في العلاقة بين بيروت وتل أبيب؟

خطوة لبنانية وردّ إسرائيلي.. هل يبدأ فصل جديد في العلاقة بين بيروت وتل أبيب؟
الجيش الإسرائيلي

في تحول لافت على خطّ المفاوضات الحدودية بين لبنان وإسرائيل، شهدت الناقورة اجتماعًا جديدًا للجنة الميكانيزم بنكهة مختلفة هذه المرة، فبعد أشهر من المباحثات ذات الطابع العسكري الصرف، دخل العنصر المدني بقوة إلى قلب الوفدين، في خطوة بدت أقرب إلى محاولة لفتح مسار موازٍ للحوار خارج قيود المؤسسة العسكرية، اختيار بيروت للسفير السابق سيمون كرم على رأس وفدها، وتوجيه تل أبيب بإرسال ممثل مدني بدوره، يشي بأن الطرفين يختبران لغة جديدة: أقل صخبًا من السجال الأمني، وأكثر قابلية للانزلاق نحو مقاربة سياسية أو اقتصادية ولو تحت سقف النزاع المستمر، تأتي هذه التطورات وسط ضغوط أميركية متزايدة للدفع نحو تطبيق القرار 1701 بحذافيره، وتقليص مساحة التوتر التي اتسعت خلال الحرب الأخيرة. 

وبينما تتمسك إسرائيل باتهاماتها للبنان بـ"المماطلة"، يصرّ الجانب اللبناني على أن تفكيك السلاح يسير وفق خطة متفق عليها.

احترام قواعد التهدئة


أنهت لجنة الميكانيزم اجتماعها الدوري في مقر قوات الأمم المتحدة في الناقورة، لكن الاجتماع هذه المرة لم يكن اعتياديًا، فقد تصدّر المشهد ظهور السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني، في أول مشاركة له بصفة مدنية منذ بدء اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، هذا التغيير، الذي جاء استجابة لمساعٍ أميركية وفق ما أعلنته رئاسة الجمهورية، مثّل خرقًا في طبيعة الوفود التي عادة ما كانت محصورة بضباط الجيش وخبراء الحدود.

ضمّ الوفد اللبناني كرم إلى جانب ضباط من الجيش برئاسة قائد قطاع جنوب الليطاني العميد نيكولاس تابت، وركّزت مداخلاته على توثيق الخروق الإسرائيلية المتكررة للقرار 1701، بدءًا من الاعتداءات الجوية ووصولًا إلى تجاوزات على الخط الأزرق، وشدد الوفد على ضرورة احترام قواعد التهدئة وتثبيت الضمانات التي ينص عليها القرار الأممي، معتبرًا أن أي تقويض لهذه الضوابط يهدد استقرار الجنوب الهش منذ وقف النار الأخير.

وبحسب مصادر متابعة، فإن إدخال شخصية مدنية لرئاسة الوفد جاء بهدف توسيع هامش المناورة السياسية للبنان، خصوصًا أن الاجتماعات باتت تلامس ملفات يتداخل فيها الأمني بالسياسي والاقتصادي، فكرم، المعروف بخلفيته الحقوقية ومواقفه السيادية خلال مرحلة الوجود السوري في لبنان، يُنظر إليه كشخص قادر على التواصل مع العواصم الغربية دون الحساسيات التقليدية المرتبطة بالمؤسسة العسكرية.

كما أن سيرته ــ التي تشمل تولّي مناصب كالمحافظ والسفير وعضو لقاءات سياسية سيادية ــ تمنحه وزنًا إضافيًا في هذه اللحظة الدقيقة.

تل أبيب تختبر بيئة جديدة للحوار


على الجانب الإسرائيلي، لم تمر الخطوة اللبنانية مرور الكرام، فقد أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توجيهاته بإيفاد ممثل مدني إلى الاجتماعات، مع مهمة موازية تتمثل بلقاء مسؤولين حكوميين واقتصاديين في لبنان.

اللافت، أن بيان نتنياهو لم يكتف بالإشارة إلى الجانب التفاوضي، بل تحدث صراحة عن "محاولة أولية لوضع أساس لتعاون اقتصادي بين البلدين"، رغم أن لبنان وإسرائيل ما يزالان رسميًا في حالة حرب، وهي عبارة قرأها محللون بوصفها محاولة من تل أبيب لاختبار بيئة جديدة للحوار، ولو عبر قنوات غير مباشرة أو غير رسمية.

اللجنة بحد ذاتها نشأت عقب وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، بعد عام من المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، وشهد الجنوب خلالها ضربات مكثفة ونزوحًا واسعًا، وهي لجنة تضم ممثلين عسكريين للولايات المتحدة وفرنسا وقوات الأمم المتحدة إلى جانب الجيشين اللبناني والإسرائيلي، وتعقد اجتماعاتها بشكل دوري لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة ومنع الانزلاق نحو مواجهة جديدة.

التحول الأبرز في الاجتماع الجديد يأتي في سياق ضغوط أميركية على بيروت للإسراع في تنفيذ خطة نزع السلاح التي وضعها الجيش اللبناني وأقرتها الحكومة، وهي خطة تنص على مراحل تدريجية لإنهاء الوجود العسكري غير النظامي جنوب الليطاني.

 إسرائيل، بدورها، تتهم لبنان بـ"بطء متعمد" في تطبيق هذه البنود، بينما يحذر مسؤولون لبنانيون من أن توسيع إسرائيل لضرباتها قد يؤدي إلى انهيار التفاهمات القائمة.

قدرة لبنان على إدارة ملف الأمن الحدودي


ورغم هذه التوترات، يؤكد الرئيس جوزيف عون في أكثر من مناسبة استعداد لبنان للتفاوض بشأن تثبيت وقف الضربات الإسرائيلية وانسحاب قواتها من النقاط التي تقدمت إليها خلال الحرب الأخيرة، وقد ربطت مصادر دبلوماسية هذا الموقف بالحاجة الملحّة لتجنيب لبنان انزلاقًا جديدًا في ظل تدهور اقتصادي واجتماعي غير مسبوق.

من جانبه، يرى المحلل السياسي اللبناني د. مصطفى علوش، أن إدخال شخصيات مدنية إلى طاولة لجنة الميكانيزم ليس مجرد تعديل بروتوكولي، بل خطوة تحمل أبعادًا سياسية عميقة تتجاوز إطار مراقبة وقف إطلاق النار.

يقول علوش في تصريحات لـ"العرب مباشر": إن اختيار بيروت للسفير السابق سيمون كرم يعكس رغبة لبنانية في إعادة صياغة لغة التفاوض، خصوصًا في مرحلة تتزايد فيها الضغوط الدولية على الدولة اللبنانية لإثبات قدرتها على إدارة ملف الأمن الحدودي بعيدًا عن تأثير القوى غير النظامية.

ويعتبر أن وجود كرم، بخلفيته السياسية السيادية، يشير إلى محاولة لإضفاء صبغة مؤسساتية على الموقف اللبناني، بما يتيح تظهير القرار الرسمي بوضوح أكبر أمام المجتمع الدولي، ويضيف علوش أن الموقف الإسرائيلي، عبر إرسال ممثل مدني وطرحه إمكانية التعاون الاقتصادي، يُظهر محاولة لاستثمار المناخ الجديد الذي تحاول واشنطن إيجاده بين الطرفين. لكنه يحذر من قراءة مبالغ فيها لهذه الإشارات، إذ تبقى إسرائيل ـ كما يقول ـ قادرة على تعديل قواعد الاشتباك ميدانيًا كلما شعرت أن ميزان التفاوض لا يصب في صالحها.

وبرأي علوش، فإن نجاح المسار الجديد يبقى مرهونًا بقدرة لبنان على تثبيت رؤيته الموحدة لتطبيق القرار 1701، وبمدى استعداد الأطراف الدولية لممارسة ضغط جدي يضمن استمرار التهدئة، لكنه يؤكد أن إدخال المدنيين إلى الآلية يمنح التفاوض فرصة للانتقال من إدارة الأزمة إلى محاولة صياغة حلولها.