معضلة الفارّين.. العراق يحدد مصير الجنود السوريين
معضلة الفارّين.. العراق يحدد مصير الجنود السوريين
تتسارع الأحداث على الحدود العراقية - السورية، حيث يبرز ملف الجنود السوريين الفارّين إلى الأراضي العراقية خلال الأيام الأخيرة من نظام بشار الأسد، هؤلاء الجنود، الذين دخلوا العراق بعد انهيار النظام السوري، يواجهون مصيرًا مجهولاً وسط غياب التعليقات الرسمية العراقية بشأن وضعهم.
المشهد يبدو أكثر تعقيدًا مع ورود تقارير تفيد بوجود شخصيات عسكرية بارزة بين الفارين، وهو ما يثير تساؤلات حول الجوانب الأمنية والسياسية لهذه القضية، من جهة أخرى، خرج العشرات من هؤلاء الجنود بمظاهرات تطالب بعودتهم إلى سوريا، فيما يبدو أن السلطات العراقية تسعى لاتخاذ قرار قد يغير مسار هذه القضية المثيرة للجدل.
*الوضع الراهن على الحدود العراقية*
من جانبه، أكد الفريق أول الركن قيس المحمداوي، نائب قائد العمليات المشتركة في الجيش العراقي، أن بغداد تتجه لإعادة الجنود السوريين الذين فروا إلى الأراضي العراقية إلى بلادهم، مضيفًا، أن الحدود العراقية مع سوريا مؤمنة بالكامل، مشيرًا أن المنافذ الحدودية محكمة وتخضع لرقابة صارمة.
جاء ذلك في تصريحات رسمية ردًا على تزايد التساؤلات حول وضع الجنود السوريين الذين فروا إلى العراق.
في السياق ذاته، قال العميد مقداد ميري الناطق باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، في بيان صحافي: إن الجهات العراقية المختصة تواصل إعادة الجنود السوريين إلى بلادهم بعد أن عملت على تنسيق العمل مع الجهات السورية المعنية في هذا المجال عبر منفذ القائم الحدودي، وفق "وكالة الأنباء الألمانية".
وكان التلفزيون العراقي أعلن - في وقت سابق-، أن السلطات السورية نشرت لأول مرة قوات عسكرية نظامية معززة بمجاميع من المسلحين في منفذ البوكمال السوري المقابل لمنفذ القائم العراقي في محافظة الأنبار على مسافة 550 كم أقصى غرب العراق.
*التكتم الإعلامي على المخيمات*
وفقاً لمصادر محلية، فرضت السلطات العراقية تعتيمًا إعلاميًا مُشددًا على أوضاع المخيمات التي تضم الجنود السوريين الفارين، وهو إجراء أثار تساؤلات حول طبيعة الأوضاع داخل تلك المخيمات وأسباب هذا الصمت.
تقارير محلية ودولية ألمحت أن التعتيم قد يكون مرتبطاً بحساسية الملف، لا سيما مع ورود معلومات عن وجود قادة عسكريين بارزين من النظام السوري السابق ضمن الفارين.
هذه الشخصيات يُعتقد أنها كانت على صلة مباشرة بدوائر صنع القرار في دمشق، مما يجعل وضعها السياسي والأمني معقداً للغاية.
إلى جانب ذلك، يشير مراقبون إلى احتمالية وجود مفاوضات خلف الكواليس بين بغداد ودمشق حول مصير هؤلاء القادة، خاصة في ظل عودة العلاقات تدريجياً بين العراق وسوريا بعد سنوات من التوتر.
*رحلة الجنود عبر العراق*
تتبع مسار الجنود السوريين الذين فروا إلى العراق يكشف عن مشهد معقد ومليء بالتفاصيل المثيرة. دخل هؤلاء الجنود الأراضي العراقية عبر منفذ القائم الحدودي، وهو ما تم بموجب اتفاق بين السلطات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفقاً لمصادر أمنية مطلعة.
لكن الأكثر إثارة هو أن بعض القادة العسكريين الذين رافقوا الجنود استغلوا الفوضى والظروف المتوترة لعبور العراق باتجاه إيران، تاركين الجنود في مخيمات مؤقتة تعاني من نقص في الخدمات الأساسية، وفقًا لـ"وكالة الأنباء العراقية".
يقدر عدد هؤلاء الفارين بنحو ألفي جندي وضابط، وهو رقم يكشف عن حجم التحدي الذي تواجهه بغداد في التعامل مع هذه الأزمة، التقارير تشير أيضًا أن بعض الجنود يخشون العودة إلى سوريا، حيث يواجهون احتمالية الملاحقة أو العقوبات القاسية، مما يزيد من تعقيد الملف ويفتح الباب أمام ضغوط داخلية وخارجية لاتخاذ قرارات واضحة.
*مطالبات بالعودة إلى سوريا*
في مواجهة هذه الأزمة، شهدت مخيمات الجنود مظاهرات متزايدة مطالبة بإعادتهم إلى سوريا، مقاطع الفيديو التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت الجنود يهتفون بشعارات تنادي بالسماح لهم بالعودة إلى وطنهم، مما يعكس حالة من الإحباط واليأس التي يعيشونها.
الشكوك حول وجود قيادات بارزة بين الجنود الفارين تجعل من هذا الملف أكثر تعقيدًا، السلطات العراقية قد تواجه ضغوطاً داخلية وخارجية لاتخاذ قرار بشأن مصير هؤلاء الجنود.
ويبدو أن الخيار الأقرب هو إعادتهم إلى سوريا، لكن هذه الخطوة قد تكون محفوفة بالمخاطر، خصوصًا إذا ثبت ارتباطهم بشخصيات عسكرية أو أمنية مثيرة للجدل.
*التحركات العسكرية في منفذ القائم*
من جانبه، كشف تقرير تلفزيوني لقناة "العراقية" من منفذ القائم الحدودي عن مشهد غير مألوف في الجانب السوري من الحدود.
حيث تم رصد انتشار قوات عسكرية سورية يرتدي عناصرها الزي العسكري النظامي الموحد، إلى جانب أفراد من المسلحين الذين ظهروا لأول مرة مرتدين زي الجماعات المسلحة في منطقة البوكمال السورية، وذلك منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد.
ووفقًا للتقرير، يتراوح عدد القوات السورية المنتشرة في المنطقة بين 100 إلى 200 عنصر، يحملون بنادق عسكرية، بينما شهد الجانب العراقي من الحدود وجوداً أمنياً مكثفًا تمثل في قوات عسكرية عراقية مدعومة بدبابتين عند مدخل منفذ القائم.
اللافت في هذه التطورات أن الوضع ظل هادئاً، حيث لم تُسجل أي حالات احتكاك بين القوات العراقية ونظيرتها السورية، مما يشير إلى التزام الطرفين بتجنب التصعيد.
بالتزامن مع هذا الانتشار العسكري السوري، أظهرت المشاهد خروج عدد من العائلات السورية من الجانب العراقي للعودة طوعاً إلى بلادهم. يُذكر أن تلك العائلات كانت قد لجأت إلى العراق خلال فترة سقوط نظام الأسد، في حين عاد بعضهم بعد استقرار نسبي على الأراضي السورية.
على صعيد آخر، استمر العراق في استقبال مواطنيه العائدين من الأراضي السورية، في ظل حركة نشطة للشاحنات التجارية بين البلدين عبر المنافذ الحدودية.
وفي إطار تعزيز أمن الحدود، نشرت الحكومة العراقية آلافاً من القوات العسكرية والأمنية، بما في ذلك وحدات من الحشد الشعبي، على امتداد الشريط الحدودي مع سوريا الذي يبلغ طوله أكثر من 620 كيلومتراً.
هذه التدابير الأمنية شملت إقامة حواجز إسمنتية وأسلاك شائكة وخندق أمني كبير، مدعومة بمراقبة القوات الجوية وكاميرات حرارية متطورة لضمان السيطرة الكاملة على الحدود ومنع أي اختراقات.