منطقة عازلة أم خطة تهجير؟ إسرائيل تُعيد رسم خارطة غزة وتحتل ثلث القطاع
منطقة عازلة أم خطة تهجير؟ إسرائيل تُعيد رسم خارطة غزة وتحتل ثلث القطاع

أكدت صحيفة "المونيتور" الأمريكية، أنه في ظل الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر 2023، ومع تواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، يتغير وجه القطاع بشكل غير مسبوق، حيث تعيد إسرائيل رسم خارطة واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، محولة أجزاء واسعة منه إلى مناطق غير قابلة للعيش.
30 بالمائة من القطاع تحوّل إلى مناطق عازلة
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش الإسرائيلي قد حول نحو 30 بالمائة من أراضي قطاع غزة إلى مناطق عازلة، ما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين. وتُشير تقديرات محللين إلى أن نسبة السيطرة الإسرائيلية قد تكون تجاوزت هذا الرقم.
ووفقًا لحسابات وكالة فرانس برس المعتمدة على خرائط نشرها الجيش الإسرائيلي، فإن المساحة التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الآن تتجاوز 185 كيلومترًا مربعًا، أي ما يُعادل نحو 50 بالمائة من إجمالي مساحة القطاع.
خطة ممنهجة لخلق واقع غير قابل للحياة
وقالت أنييس لوفالوا، الباحثة في مؤسسة البحوث الاستراتيجية، إن ترك هذه المناطق العازلة خالية قد يكون هدفًا في حد ذاته ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع، تهدف إلى جعل غزة مكانًا غير قابل للحياة.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن قوات الاحتلال الإسرائيلية ما يُعرف بـ"مناطق أمنية عازلة" واسعة تمتد على طول حدود غزة مع كل من إسرائيل ومصر، خاصة بهدف الحد من عمليات التهريب عبر الحدود المصرية.
كما شُيّدت ثلاثة ممرات عسكرية كبرى تقطع عرض غزة، وهي "فيلادلفيا"، "موراغ"، و"نيتساريم"، مما أدى إلى تقسيم القطاع إلى مناطق معزولة.
مساحة من الخراب والدمار
قبل الحرب، كانت غزة موطنًا لنحو 2.4 مليون نسمة يعيشون في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. الآن، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من 80 بالمائة من البنية التحتية المدنية قد دُمر كليًا أو جزئيًا.
وأوضحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، رافينا شامداساني، أن الجيش الإسرائيلي يواصل إصدار ما يُعرف بـ"أوامر الإخلاء"، والتي هي في واقع الأمر عمليات تهجير قسري، أجبرت الفلسطينيين على الانتقال إلى مناطق محدودة، حيث يكاد ينعدم فيها الوصول إلى الخدمات الأساسية.
ومع تكرار التهجير، يعيش معظم سكان غزة اليوم في مدارس تحولت إلى مراكز إيواء، أو تحت الخيام، أو في ملاجئ بدائية.
انعدام الرؤية الاستراتيجية لما بعد الحرب
وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية بجامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين، إن ما يجري في غزة الآن يفتقر إلى استراتيجية واضحة. وأضاف: لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور، وإذا استمرت إسرائيل في بسط سيطرتها على القطاع، فسيكون عليها أن تقرر ما إذا كانت ستنشئ إدارة مدنية أو نظامًا عسكريًا دائمًا.
وأضاف أن السيطرة على بعض أجزاء غزة كانت "سهلة نسبيًا" لأن كثيرًا منها كانت أراضي خالية، ولم تتطلب التعامل المباشر مع السكان. ومع ذلك، أشار إلى أن الرأي العام الإسرائيلي غير مدرك لتبعات هذا السيناريو على المدى البعيد.
ومن جانبها، ترى أنييس لوفالوا أن إسرائيل قد تكتفي بالسيطرة على المناطق التي استولت عليها بالفعل، وتترك بقية القطاع في حالة من الفوضى، مع إدخال الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية، مما قد يقود إلى "سيناريو شبيه بالصومال"، حيث تغيب السلطة المركزية وسط أنقاض الحرب.
هدم منهجي ومخططات متطرفة
وكشفت شهادات جنود إسرائيليين جمعتها منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال، عن تدمير واسع ومنهجي للمباني المدنية في المناطق التي أصبحت الآن مناطق عازلة تحت سيطرة الجيش.
وفي نوفمبر الماضي، دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى تشجيع "نصف سكان غزة" على مغادرة القطاع عبر ما أسماه "الهجرة الطوعية". وقد حظيت هذه الفكرة بدعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وفي فبراير 2025، اقترح ترامب تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، مع نقل سكانها إلى الأردن ومصر، في رؤية أثارت الجدل على نطاق واسع.
ويشير مراقبون إلى أن بعض الشخصيات الإسرائيلية التي تدعو لإعادة الاستيطان في غزة – بعد الانسحاب الإسرائيلي منها عام 2005 – تزعم أن لديها خططًا ملموسة، وتقوم بزيارات منتظمة إلى تخوم القطاع.
ومع ذلك، لم يصدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي موقف واضح يؤيد هذه التوجهات، رغم أنه يقود واحدة من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل.
غياب الخطة وتضاؤل الدعم الدولي
في غياب خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد الحرب، يظل مستقبل غزة في مهب المجهول.
وفي هذا الصدد، يقول مايكل ميلشتاين إن كل ما يتم الحديث عنه ليس سوى أوهام، مشيرًا إلى أن معظم الإسرائيليين يُدركون أن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة ليست واقعية.
وأضاف أنه حتى ترامب نفسه، لم يعد يُبدي اهتمامًا حقيقيًا بتلك الفكرة.
ورغم عدم إعلان إسرائيل رسميًا عن خطط لإقامة منطقة عازلة داخل غزة، فإن خبراء قانونيين يحذرون من أن هذه السياسات قد تُعد خرقًا للقانون الدولي، وسط انتقادات متزايدة لتبعاتها الكارثية على المدنيين الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، يبدو أن غزة تدخل مرحلة جديدة من إعادة التشكيل الجغرافي والديموغرافي تحت نيران الحرب، دون أن يكون في الأفق أي حل سياسي أو إنساني.