ميناء مقابل مطار.. تداعيات حرب الأهداف الاستراتيجية بين إسرائيل والحوثيين

ميناء مقابل مطار.. تداعيات حرب الأهداف الاستراتيجية بين إسرائيل والحوثيين

ميناء مقابل مطار.. تداعيات حرب الأهداف الاستراتيجية بين إسرائيل والحوثيين
استهداف الملاحة الدولية

في مشهد يعكس تداخلاً غير مسبوق بين الجبهات في الشرق الأوسط، تصاعد التوتر بين إسرائيل وجماعة الحوثيين في اليمن إلى مرحلة جديدة من المواجهة العابرة للحدود، فبعد ساعات فقط من قصف إسرائيلي طال ميناء الحُديدة الاستراتيجي، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن، بالتزامن مع إعلان الحوثيين عن شنّ هجوم منسق على خمسة أهداف داخل الأراضي الإسرائيلية بطائرات مسيرة، وصاروخ بالستي جديد يحمل اسم "فلسطين2".

هذه التطورات تأتي في سياق ردود فعل متسلسلة بين الطرفين، تدفع بالتصعيد إلى مدى غير مسبوق في ظل حرب مستعرة في غزة، ومواجهة بحرية مستمرة في البحر الأحمر، وبينما ترى إسرائيل أن هذه الهجمات تمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها، يعتبر الحوثيون تحركاتهم العسكرية استمرارًا لموقفهم الداعم للمقاومة الفلسطينية، في هذا السياق، يطرح التصعيد الأخير تساؤلات حول احتمال توسع ساحة المواجهة وفتح جبهة جديدة قد تربك الحسابات الإقليمية والدولية.

تصعيد متبادل


شهدت الساعات الماضية تصعيدًا لافتًا في وتيرة المواجهة بين إسرائيل وجماعة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، مع انتقال الصراع من البحر الأحمر إلى العمق الإسرائيلي. 

فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، اعتراض صاروخ قادم من اليمن، بعدما دوّت صفارات الإنذار في عدة مناطق داخل البلاد.

وبعد الإعلان الإسرائيلي بوقت وجيز، خرج المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، ليؤكد استهداف مطار اللد – بن غوريون – بصاروخ بالستي "فرط صوتي" من طراز جديد أُطلق عليه اسم "فلسطين2"، واصفًا الهجوم بـ"النوعي والدقيق".

كما كشف "سريع" عن تنفيذ عملية أخرى استهدفت خمسة مواقع إسرائيلية، من بينها ميناء إيلات ومطار رامون ومواقع في يافا وأسدود، مستخدمين خمس طائرات مسيرة.

الهجوم المزدوج الذي نفذه الحوثيون يأتي بعد ساعات من غارات إسرائيلية عنيفة طالت ميناء الحُديدة، أحد أهم الموانئ اليمنية على البحر الأحمر، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف بنى تحتية وأسطول بحري وبراميل وقود يستخدمها الحوثيون.

واعتبرت تل أبيب أن هذه الضربات جزء من سياسة "الردع الاستباقي" ضد أي تهديد قادم من الجنوب.

رسائل إسرائيلية


وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، وصف القصف بأنه "رسالة واضحة" مفادها أن بلاده لن تسمح بإعادة تأهيل الميناء كمركز لوجستي تستخدمه الجماعة الحوثية في شنّ هجمات بحرية وصاروخية.

 وأضاف: "الحوثيون سيدفعون الثمن باهظًا مقابل كل اعتداء يستهدف إسرائيل أو مصالحها".

التحرك العسكري الإسرائيلي ضد الحوثيين لم يكن مفاجئًا في ظل التصعيد المتواصل منذ أواخر 2023، حين بدأ الحوثيون تنفيذ سلسلة هجمات على سفن تجارية تمر عبر البحر الأحمر، مدّعين ارتباطها بإسرائيل. وردًا على هذه الهجمات، نفذت إسرائيل خلال الأشهر الماضية عشرات الغارات على مواقع حوثية في الحديدة ورأس عيسى والصليف، حيث أعلنت سابقًا أن أكثر من 20 طائرة مقاتلة شاركت في إحدى هذه العمليات.

لكن الموجة الأخيرة من التصعيد تحمل أبعادًا جديدة، أبرزها نقل الحوثيين المواجهة إلى العمق الإسرائيلي، وهو ما يعكس تطورًا في القدرات العسكرية للجماعة المدعومة من طهران. 

وإذا ما ثبت استخدام صواريخ فرط صوتية، فإن ذلك يشير إلى مستوى أعلى من التنسيق التقني والعسكري بين إيران ووكلائها في المنطقة.

استنفار دائم


في المقابل، تسعى إسرائيل إلى الحيلولة دون تشكل جبهة جنوبية ثابتة ضدها، خاصةً في ظل انشغالها بحرب مستمرة في غزة وتوترات على الحدود الشمالية مع حزب الله.

ويعزز هذا المسار تحذيرات سابقة أطلقتها تل أبيب بشأن "محور الممانعة الممتد من طهران إلى بيروت مرورًا بصنعاء"، والذي بات يستخدم أدوات متقدمة لضرب العمق الإسرائيلي.

ومع ازدياد الهجمات الحوثية، وخاصة تلك التي تستهدف المطارات والموانئ، تبدو إسرائيل في حالة استنفار دائم، خوفًا من تحوّل اليمن إلى منصة هجومية بعيدة لكنها فعالة.

وقد يشكّل ذلك ضغطًا إضافيًا على الولايات المتحدة، التي سبق أن أعلنت دعمها لحماية الملاحة في البحر الأحمر، لكنها الآن مطالبة باتخاذ موقف من الهجمات التي تمسّ أمن إسرائيل مباشرة.

تبرير التدهور


من جانبه، يؤكد المحلل السياسي اليمني عبدالكريم المدي، أن التصعيد الأخير بين جماعة الحوثيين وإسرائيل يمثل نقطة تحوّل خطيرة في مسار الأزمة اليمنية، ويعكس تموضع الجماعة ضمن استراتيجية إقليمية عابرة للحدود تقودها طهران.

ويقول المدي -في تصريح لـ"العرب مباشر"-، إنّ الحوثيين باتوا يستخدمون "العداء لإسرائيل" كورقة لتثبيت شرعيتهم في الداخل اليمني المنقسم، وتبرير تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي تعانيه المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

ويضيف: أن الحوثيين يحاولون تصوير أنفسهم كجزء من محور "مقاومة إقليمي"، فيما الواقع يُظهر أنهم يعمّقون عزلة اليمن عن محيطه العربي، ويجرّونه إلى صراعات لا تخدم مصالحه الوطنية.

ويشير، أن الهجمات التي تستهدف إسرائيل قد تمنح الجماعة بعض الشعبية الإعلامية، لكنها تضع اليمن في مرمى الردود العسكرية، وتفاقم معاناة المدنيين، خاصة مع تعرض منشآت حيوية كميناء الحُديدة للقصف.

 

ويرى المدي، أن انخراط الحوثيين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر أدوات عسكرية بعيدة المدى هو توظيف سياسي أكثر منه التزام مبدئي، مؤكدًا أن التصعيد سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات الداخلية، ويُعقّد أي جهود للتسوية أو الحوار اليمني – اليمني الذي يطمح له ملايين اليمنيين للخروج من دوامة الحرب والفقر.

 

هروب من مأزق داخلي

في سياق متزامن مع الحديث المتصاعد داخل اليمن عن عملية برية محتملة لتحرير البلاد من قبضة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، يرى المحلل السياسي اليمني رماح الجبري، أن التصعيد الحوثي باتجاه إسرائيل يمثل محاولة مكشوفة للهروب من المأزق الداخلي. 

 

ويقول الجبري -في حديثه لـ"العرب مباشر"-: إن استهداف مطار بن غوريون وغيره من المواقع الإسرائيلية ليس سوى مناورة تهدف إلى صرف الأنظار عن التهديد الحقيقي الذي تواجهه الجماعة على الأرض، من خلال الزج بالصراع في مسار دولي أوسع وربطه بـ"العدوان الإسرائيلي".

 

ويعتقد الجبري، أن الاشتباك المباشر بين الحوثيين وإسرائيل قد يفتح الباب أمام مرحلة أكثر عنفًا داخل اليمن، مع احتمالات جدّية أن توسع إسرائيل بنك أهدافها ليشمل ضربات دقيقة تطال قيادات حوثية ومرافق اقتصادية حيوية يستخدمها الحوثيون في تمويل عملياتهم.

 

كما يشير أن الحوثيين يسعون لاستثمار هذا الاشتباك سياسيًا في الداخل، عبر ترويج رواية "نصرة فلسطين" لكسب تعاطف قواعدهم الشعبية، وفي الوقت نفسه استخدام الحرب مع إسرائيل كأداة لإسكات الأصوات المعارضة وشيطنة أي تحرك مقاوم لهم باعتباره "خدمة للمشروع الصهيوني".