من يملك قرار العبور من معبر رفح؟ تل أبيب تعلن والقاهرة تنفي

من يملك قرار العبور من معبر رفح؟ تل أبيب تعلن والقاهرة تنفي

من يملك قرار العبور من معبر رفح؟ تل أبيب تعلن والقاهرة تنفي
معبر رفح

في لحظة تعكس هشاشة التوازنات الإقليمية حول غزة، تصاعد الجدل مجددًا حول مصير معبر رفح، المعبر الأكثر حساسية في المشهد الفلسطيني – المصري – الإسرائيلي، فبينما أعلنت إسرائيل استعدادها لفتح البوابة الحدودية أمام الفلسطينيين الراغبين في المغادرة خلال الأيام المقبلة، سارعت القاهرة إلى تفنيد الأمر جملة وتفصيلًا، مؤكدة أن مصر لم ولن تكون بوابة لتهجير الفلسطينيين وفق تعبير مسؤولين مصريين، يعكس هذا التناقض الحاد صراع روايات يتجاوز البعد الإجرائي لعبور الأفراد، ليمس صميم الحسابات السياسية والأمنية للدول المعنية، خصوصًا في ظل خطة السلام الأميركية التي وضعت خطوطًا واضحة بشأن حرية الحركة وحق العودة، وبينما تنسج إسرائيل رواية تفترض تعاونًا مصريًا مرتقبًا، ترى القاهرة أن ما يُطرح ليس سوى محاولة لفرض أمر واقع يتجاوز الثوابت المصرية، هكذا، يعود معبر رفح إلى واجهة الأحداث، لا كمنفذ حدودي فحسب، بل كاختبار جديد لقدرة الأطراف على إدارة خلافاتها دون الإخلال بمعادلات الأمن والشرعية.

فتح معبر رفح من الجانب الإسرائيلي

عادت بوابة رفح البرية إلى مركز السجال السياسي بعد إعلان هيئة «كوغات» الإسرائيلية نيتها فتح المعبر خلال الأيام المقبلة، للسماح للفلسطينيين بالخروج من قطاع غزة باتجاه الأراضي المصرية، الخطوة التي قدّمتها تل أبيب على أنها إجراء إنساني، أعادت إلى السطح أسئلة معقدة حول النوايا الحقيقية وراء هذا الطرح، خصوصًا بعد أشهر من سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من المعبر في مايو 2024، وما رافق ذلك من اتهامات باستخدامه لتهريب السلاح.

وبحسب البيان الإسرائيلي، فإن عملية الخروج ستتم تحت إشراف بعثة أوروبية، ومن خلال «موافقات أمنية» تصدرها تل أبيب للراغبين في المغادرة، غير أن البيان تجاهل، كما لاحظ مراقبون، تحديد أي قيود تتعلق بالفئات المسموح لها بالمغادرة، أو المعايير التي ستُعتمد في عملية الفرز الأمني، فضلًا عن عدم تحديد موعد فعلي لبدء تنفيذ هذا القرار.

القاهرة تنفي


في المقابل، جاء الرد المصري حاسمًا، فقد نفت الهيئة العامة للاستعلامات، عبر مصدر مسؤول، وجود أي تنسيق مع إسرائيل بشأن فتح المعبر لاتجاه واحد، مؤكدة أن القاهرة لن تكون طرفًا في ترتيبات قد تُفهم على أنها قبول بتهجير سكان غزة.

وأعاد رئيس الهيئة ضياء رشوان تأكيد ما وصفه بـ"الخطين الأحمرين" لمصر: رفض التهجير، ورفض أي إجراء يمس الأمن القومي المصري، وأوضح رشوان أن المعبر كان مفتوحًا في بداية الأزمة لعودة الفلسطينيين العالقين في مصر، لكن إسرائيل وفق قوله أغلقت المعبر منفردة، ثم دمرت منشآته من الجانب الفلسطيني.

هذا التعارض الصارخ بين الروايتين يعيد تسليط الضوء على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تشكل اليوم إطارًا مرجعيًا للعديد من البنود المتعلقة بحركة العبور، فالخطة، وفق ما ذكره رشوان، تنص في بندها الثاني عشر على أنه لا يُجبر أي فلسطيني على مغادرة غزة، وأن كل من يغادرها طوعًا يمتلك حق العودة، صياغة تُفسَّر في القاهرة على أنها ضمانة قانونية تمنع استخدام المعبر كقناة للهجرة الدائمة.

صورة ضبابية


على الجانب الإسرائيلي، جاءت ردود المسؤولين لتزيد الصورة ضبابية، فقد نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول حكومي قوله: إن إسرائيل فتحت المعابر، وإذا كان المصريون لا يريدون استقبال المغادرين، فهذه مشكلتهم، التصريح حمل نبرة تُوحي برغبة في تحميل مصر مسؤولية أي تعثر في فتح المعبر، في خطوة يقرأها محللون على أنها محاولة لنقل عبء الضغط الدولي من تل أبيب إلى القاهرة.

وتكشف تصريحات مصدر إسرائيلي آخر لوكالة «أسوشييتد برس» جانبًا إضافيًا من التعقيد: فالمعبر وفق قوله سيفتح فقط لمن يرغب بالخروج، وليس للعودة، ما يعني أن القرار لا يشمل الطلاب أو المرضى أو العاملين الذين يريدون العودة إلى القطاع، وهو ما تراه القاهرة إخلالًا جوهريًا بالاتفاقات المرتبطة بالهدنة والمرور الإنساني.

وحتى في حال تم الاتفاق على فتح المعبر مؤقتًا، تبقى البنية اللوجستية موضع شك. فالاتحاد الأوروبي، بحسب تقارير إسرائيلية، ما يزال بصدد إجراء تعديلات تقنية تتعلق بإرسال بعثات إشراف، وهو ما قد يؤخر العملية أسابيع أخرى.

إجهاض المحاولات الاسرائيلية


من جانبه، قدم الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قراءة حاسمة للمشهد المتعلق بمعبر رفح، معتبرًا أن الموقف المصري الأخير وضع إسرائيل في زاوية ضيقة وأفقدها القدرة على التلاعب بالرواية الدولية. 

ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن القاهرة استطاعت، عبر بيان الهيئة العامة للاستعلامات وتصريحات مسؤوليها، إجهاض محاولة إسرائيلية واضحة لإيهام المجتمع الدولي بأن مصر قد توافق على فتح المعبر باتجاه واحد، بما يسمح بإخراج السكان من غزة، في خطوة تُقرأ وفق تقديره على أنها اختبار لمدى استعداد القاهرة للتنازل عن أحد أبرز ثوابتها.

ويشير فهمي إلى أن الرد المصري لم يكن دفاعيًا، بل استباقيًا وموضحًا لمبدأ راسخ يقوم على رفض أي شكل من أشكال النزوح الجماعي، والتعامل فقط مع الحالات الإنسانية والمرضى والمصابين، وهو إطار لطالما التزمت به القاهرة منذ بداية الحرب، وبرأيه، فإن تشديد مصر على أن أي ترتيبات مستقبلية للمعبر يجب أن تتم في الاتجاهين، وتحت إشراف دولي، أعاد ضبط قواعد النقاش وأحبط محاولة إسرائيل تقديم نفسها كجهة منفتحة أومتعاونة في ملف حساس.

ويعتبر فهمي، أن هذا الموقف المصري أربك إسرائيل لأنها كانت تراهن على صمت أو تردد مصري يمكنها من تثبيت سيطرتها على المعبر سياسيًا وإعلاميًا، لكن القاهرة كما يوضح أعادت التأكيد على أن معبر رفح ليس أداة في يد أي طرف، بل ملف سيادي لا يُدار إلا وفق ضوابط دولية ومصالح أمنية مصرية واضحة.