صيف الموت في بندر عباس.. بين لهب الصواريخ وتحويل المنشآت إلى واجهات عسكرية

صيف الموت في بندر عباس.. بين لهب الصواريخ وتحويل المنشآت إلى واجهات عسكرية

صيف الموت في بندر عباس.. بين لهب الصواريخ وتحويل المنشآت إلى واجهات عسكرية
انفجار ميناء رجائي

في لحظة خاطفة تحول رصيف مدني يعج بالحياة في مدينة بندرعباس إلى ساحة خراب ومجزرة دامية، بعد انفجار ضخم مدمر كل شيء في محيطه، الرصيف الذي اعتاد مئات العمال والسائقين والموظفين المرور به يوميًا، تحول إلى محرقة بشرية خلفت أكثر من سبعين قتيلا وما يفوق الألف ومائتي جريح، وسط فوضى نارية وانهيارات هيكلية وأشلاء متناثرة، ولم يكن ذلك موقعًا عسكريًا أو منشأة محظورة، بل ساحة مدنية اعتيادية، لكنما كان مخفيًا تحته كان أبشع من أن يتصور.

 مخزن صواريخ في قلب الحياة اليومية

 ما كشفته الوقائع الميدانية، بعد الانفجار يسلط الضوء على واحدة من أفظع جرائم الإهمال واللامبالاة المتعمدة، لم يكن سبب الانفجار عطلاً تقنيًا أو حادثا عرضيًا، بل انفجار لمواد كيميائية عالية الانفجارتُستخدم في صناعة وقود الصواريخ، كانت مخزنة في قلب هذا الموقع المدني دون إنذار أو إجراءات أمان أو حتى لافتة تحذيرية واحدة. 

بهذا، لم يكتف النظام بتحويل حياة المواطنين إلى كابوس أمني دائم، بل جعلهم وقودًا محتملًا في أي لحظة لتجربة فاشلة أو تسريب متفجّر.

 تمثيلية النظام.. الجرحى على مكاتبهم


 لكن ما أعقب المجزرة فاق في فجاجته الجريمة الأصلية، بدلا من الاعتراف بالتقصير أو إعلان حالة الطوارئ، لجأ النظام إلى ما يبرع فيه دوما، الدعاية الزائفة.

 وفي مشهد يناقض كل أعراف الإنسانية، أجبر عدد من الجرحى على الجلوس خلف مكاتبهم وسط آثار الكدمات والضمادات، لالتقاط صور ترويجية تظهر "استئناف العمل" وكأن شيئًا لم يحدث، لم تترك حتى لحظات الألم لتُعاش بكرامة، بل استخدمت الأجساد المثخنة كديكور لإخفاء الحقيقة. 

وكالة أنباء "فارس" المقربة من الحرس الثوري تولت توزيع الصور، محاولة فرض سردية استقرار مصطنع على كارثة لم تهدأ نيرانها بعد الإخراج المتعمد لم يكن إلا محاولة يائسة لتطبيع المأساة، وإيهام العالم أن النظام مسيطر، بينما الحقيقة أن السيطرة الوحيدة التي يجيدها هي التحكم برواية الكذب.

 مسؤولية الدولة وتواطؤ الحرس الثوري


 الحرس الثوري الإيراني، الذي يهيمن على غالبية الموانئ والمعابر في البلاد، يعد الجهة المسؤولة فعليًا عن إدارة الشحنات الحساسة والتخزين العسكري في المناطق المدنية، ووجود مواد عسكرية عالية الخطورة على رصيف مدني ليس انزلاقًا غير مقصود، بل هو قرار منهجي يكشف مدى التداخل بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني في إيران، والذي غالبًا ما يدفع المدنيون ثمنه منع التحقيقات المستقلة، وإقصاء أي رقابة خارجية، كلها مؤشرات على أن الانفجار ليس حادثا، بل نتيجة مباشرة لسياسات تخزين الأسلحة والتجهيزات العسكرية وسط السكان، بما يخالف القوانين الإنسانية والدولية كافة.

 الضحايا في الظل.. والفاعل ونفي الحصانة

 في الوقت الذي يتوارى فيه الجرحى خلف الكاميرات التي تستخدم لتبييض صورة النظام، ما يزال عدد من الضحايا مفقود تحت الأنقاض، لا جهود واضحة للبحث، ولا إعلانات عن حصر نهائي للضحايا، في ظل حالة تعتيم شديدة ومعلومات متضاربة، كل هذا يعكس سياسة دفن الجريمة ببطء، ومحاولة تمييعها
وفي زحمة الأخبار السلطات لم تعلن عن محاسبة أي مسؤول حتى اللحظة، لا تحقيقات نزيهة، ولا مؤشرات على استدعاء حقيقي للجهات المتورطة، فالجناة محميون بمنظومة تمنع المساءلة، وتضمن الإفلات التام من العقاب، تحت غطاء "الأمن القومي" ومشاريع "المقاومة الإيرانية والتي تمثل العديد من الشعب الإيراني.

 نتائج مباشرة لاستخدام المنشآت الى واجهات عسكرية
 
وقال الخبير والباحث السياسي في الشؤون الإيرانية محمود حكميان: إن ما حدث في بندرعباس ليس حادثًا عرضيًا، بل نتيجة مباشرة لتحوّل المنشآت المدنية إلى واجهات عسكرية غير معلنة، وهو أمر يُعد انتهاكًا صارخًا لكل الأعراف الدولية، وسيطرة الحرس الثوري على الموانئ لم تكن يومًا لأغراض لوجستية فقط، بل لتأمين شبكة موازية لتهريب الأسلحة والمكونات الحساسة، حتى لو كان الثمن حياة مئات المدنيين.

ويضيف حكميان -في تصريحات خاصة لـ العرب مباشر-، اجبار الجرحى على الظهور في صور دعائية ليس فقط انحدارًا أخلاقيًا، بل جزء من عقلية النظام التي تعتبر المواطن أداة في ماكينة الدعاية وليس إنسانًا يملك كرامة وحقوقًا.