الضربات الأمريكية على الحوثيين.. اختبار لقدرات الطرفين في معركة البحر الأحمر

الضربات الأمريكية على الحوثيين.. اختبار لقدرات الطرفين في معركة البحر الأحمر

الضربات الأمريكية على الحوثيين.. اختبار لقدرات الطرفين في معركة البحر الأحمر
الضربات الأمريكية

شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق في اليمن بعد أن شنت القوات الأمريكية سلسلة ضربات جوية وبحرية مكثفة ضد مواقع ميليشيات الحوثي، في محاولة لوقف هجماتها المتكررة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر. 

هذه الحملة العسكرية التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها ستستخدم "القوة الساحقة"، تهدف إلى حماية خطوط الشحن العالمية التي تعرضت لتهديد مباشر بعد أن أعلن الحوثيون تضامنهم مع غزة عبر استهداف السفن التجارية.

استراتيجية الضربات الأمريكية

تركزت الضربات الأمريكية على البنية التحتية العسكرية للحوثيين، مستهدفة على وجه التحديد منصات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى مواقع التخزين اللوجستي ومراكز القيادة والسيطرة. 

وقد أسفرت هذه الحملة عن تدمير أجزاء مهمة من القدرات العسكرية للحوثيين، حيث أفادت تقارير ميدانية بتعطيل العديد من المواقع الحيوية التي كانت تستخدمها الميليشيا في هجماتها.

لكن هذه الضربات واجهت تحديًا رئيسيًا يتمثل في قدرة الحوثيين على التكيف السريع مع الظروف الجديدة، حيث أعادت الميليشيا تنظيم صفوفها ونقلت بعض أصولها العسكرية إلى مواقع أكثر أمنًا، مما أطال أمد المواجهة وحولها إلى حرب استنزاف.

رد فعل الحوثيين وتكتيكات المواجهة

أظهر الحوثيون مرونة لافتة في مواجهة الحملة الأمريكية، حيث واصلوا تنفيذ هجمات متفرقة رغم الدمار الذي لحق ببنيتهم العسكرية.

وتمكنت الميليشيا من الحفاظ على قدرتها على إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وإن كان ذلك على نطاق أقل من ذي قبل.

ويعتمد الحوثيون في استراتيجيتهم على عدة محاور، مدعومة من إيران أبرزها تشتيت القوات ونقل المعدات العسكرية إلى مواقع محصنة، واستخدام التضاريس الوعرة والأنفاق في عملياتهم، والاستمرار في شن هجمات رمزية للحفاظ على زخمهم الدعائي.

البعد الإقليمي للصراع

تكشف هذه المواجهة عن أبعاد جيوسياسية أعمق تتجاوز الصراع في اليمن، حيث تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى نفوذ إيران الإقليمي وقدرتها على حماية حلفائها. 

ورغم الدعم الإيراني المستمر للحوثيين، فإن طهران تبدو حريصة على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن، تاركة حلفاءها في اليمن يواجهون العاصفة الأمريكية بأدواتهم الذاتية.

وقد أدت هجمات الحوثي إلى اضطراب كبير في حركة الشحن العالمية، حيث اضطرت حوالي 70% من السفن التجارية التي كانت تعبر البحر الأحمر إلى تغيير مسارها والالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، مما تسبب في ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة أسعار السلع عالمياً.

 ورغم أن الضربات الأمريكية ساهمت في تقليل حدة هذه الهجمات، إلا أن التهديد ما زال قائمًا، مما يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير في تأمين هذه الممرات المائية الحيوية.

آفاق الصراع المستقبلية

تشير المعطيات الحالية إلى استمرار المواجهة في شكل حرب استنزاف طويلة الأمد، حيث تواجه الولايات المتحدة معضلة حقيقية في تحقيق نصر حاسم دون التورط في عملية برية مكلفة.

من جهة أخرى، يبدو الحوثيون مصممين على مواصلة القتال رغم الخسائر، معتمدين على دعمهم الشعبي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

في هذا السياق، تبرز عدة تساؤلات حول مدى قدرة الضربات الأمريكية على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وإمكانية التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة، ومستقبل اليمن في ظل استمرار هذه المواجهات التي تزيد من معاناة المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.

ويقول الباحث السياسي اليمني مرزوق الصيادي: إن الضربات الأمريكية تمثل محاولة لاستعادة الردع في البحر الأحمر، لكنها تفتقر لاستراتيجية شاملة.

 الحوثيون يمتلكون مرونة تنظيمية غير عادية، فهم يتعاملون مع الضربات كضريبة يجب دفعها لتحقيق مكاسب سياسية أكبر، المشكلة أن واشنطن تتعامل مع الهجمات على السفن وتتجاهل المضمون وهو الأزمة اليمنية ككل.

ويضيف الصيادي -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن طهران تتابع التصعيد بحذر شديد، و الدعم الإيراني للحوثيين سيستمر لكن ضمن حدود لا تدفع بالصراع إلى مواجهة مفتوحة،  إيران تريد من الحوثيين أن يكونوا ورقة ضغط لكن ليس إلى درجة حرقهم، و التحدي الأكبر هو أن الحوثيين بدأوا يكتسبون إرادة مستقلة قد لا تكون متوافقة تمامًا مع المصالح الإيرانية.