ترامب يضرب والمارد الأوروبي يستفيق.. معركة الرسوم تبدأ
ترامب يضرب والمارد الأوروبي يستفيق.. معركة الرسوم تبدأ

لم يعد الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محصورًا في مكاتب التفاوض المغلقة أو المؤتمرات الدبلوماسية، بل تحوّل إلى مواجهة اقتصادية مفتوحة تُخاض عبر الرسوم الجمركية والتحالفات التجارية المتغيرة، فمنذ أن أطلق دونالد ترامب شعاره الشهير "أمريكا أولًا"، دخلت العلاقات بين الحلفاء التقليديين في مرحلة غير مسبوقة من التوتر.
أوروبا، التي لطالما اعتبرت نفسها شريكًا متكافئًا لواشنطن، وجدت نفسها فجأة تحت وابل من الرسوم العقابية والإجراءات الاقتصادية العدائية، ما دفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، وبحث سبل "الرد الجماعي" على الهجمة الأمريكية.
الأسواق تترنح، والتحالفات يعاد رسمها، وتوازن القوى التجارية يبدو على وشك الانقلاب، فهل نشهد ولادة نظام اقتصادي عالمي جديد تُقصى فيه أوروبا عن مراكز التأثير، أم أن القارة العجوز قادرة على الرد بصرامة، وتسجيل نقطة حاسمة في هذه المعركة الاقتصادية؟ هذه ليست مجرد حرب رسوم، بل حرب نفوذ وتحديد مصير.
*قرارات صادمة*
في لحظة فاصلة من التحولات الجيوسياسية، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه وجهًا لوجه أمام آلة اقتصادية أمريكية يقودها دونالد ترامب، بعقيدته الصارمة: "أمريكا أولًا".
لم تكن تلك السياسات مجرد شعارات انتخابية، بل تحولت إلى استراتيجيات ملموسة بدأت بإجراءات حمائية عنيفة، وفرض رسوم جمركية قاسية على حلفاء واشنطن قبل خصومها.
لقد صدم القرار الأوروبيين، ليس فقط بسبب تأثيراته الاقتصادية، بل لأنه أطلق العنان لعصر جديد من العلاقات المتوترة بين ضفتي الأطلسي. ففي الوقت الذي رفعت فيه الولايات المتحدة التعريفات على واردات أوروبية رئيسية بنسبة 20%، لم تملك بروكسل سوى خيار الرد، ليس عبر التصعيد الفوري فقط، بل من خلال إعادة توجيه بوصلتها التجارية بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.
*أوروبا والصين.. شراكة الضرورة*
منتدى التنمية الصيني شكّل نقطة تحول في هذا السياق، حيث سعت أوروبا لتعزيز تحالفها الاقتصادي مع بكين، بعيدًا عن فوضى الرسوم الأمريكية.
تصريحات أورسولا فون دير لاين حول إمكانية التوصل إلى اتفاق يخدم الطرفين لم تكن مجرد أمنيات دبلوماسية، بل إعلان نوايا أوروبية لخلط أوراق التجارة العالمية.
كندا أيضًا دخلت على خط التحول، فقد كانت أولى زيارات رئيس الوزراء الكندي الجديد، مارك كارني، إلى باريس بدلاً من واشنطن، في رسالة قوية تعبّر عن امتعاض أوتاوا من سياسات ترامب، وسعيها لتقوية الروابط مع أوروبا باعتبارها شريكًا تجاريًا أكثر استقرارًا.
*أزمة الثقة.. أوروبا في موقف دفاعي*
القلق الأوروبي تعمّق بعد الإجراءات الأمريكية التي مست أكثر من 180 دولة، وسبّبت اضطرابات في الأسواق العالمية.
الأسواق الأمريكية خسرت تريليونات الدولارات، وسجّل الذهب مستويات قياسية غير مسبوقة، ومع ذلك، لم تتراجع إدارة ترامب.
الاتحاد الأوروبي، من جانبه، أدرك أن سياسة "الصبر الاستراتيجي" لم تعد مجدية، بات واضحًا أن واشنطن لا تنظر إلى أوروبا كحليف متساوٍ، بل كسوق يجب إخضاعه.
*أسلحة أوروبا.. ما الذي تملكه بروكسل؟*
رغم الفارق في النفوذ الاقتصادي بين الجانبين، يملك الاتحاد الأوروبي أوراقًا مهمة، الرد الجماعي هو أحد أبرز هذه الأسلحة، إلى جانب خيارات متعددة تشمل:
فرض ضرائب رقمية على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى العاملة في أوروبا مثل "ميتا"، "غوغل"، و"أمازون".
إضافة إلى فرض قيود استثمارية على الشركات الأمريكية الراغبة في دخول السوق الأوروبي، وتقييد العقود الحكومية أمام الشركات الأمريكية.
وكذلك التعاون مع الصين وكندا والهند لتأسيس محور تجاري جديد يحد من هيمنة الدولار.
لكنّ هذه الخيارات ليست سهلة التنفيذ، فالاتحاد يواجه تحديات داخلية من بينها الركود في بعض دوله، وتباين المواقف بين أعضائه حول كيفية التعامل مع واشنطن، فضلًا عن العلاقات المعقدة مع موسكو التي لا تزال تلقي بظلالها على القرار الأوروبي.
النقطة الأخطر في الأزمة الحالية تكمن في استبعاد الاتحاد الأوروبي من المحادثات الأمريكية بشأن الحرب في أوكرانيا.
الخطوة فُهمت في بروكسل على أنها تقليص لدور أوروبا في الملف الأمني، وهو ما يُهدد بإعادة تعريف العلاقات عبر الأطلسي من شراكة استراتيجية إلى علاقة تبعية مفروضة.
*نهاية الحلفاء؟*
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلاقات الدولية: من الواضح أن إدارة ترامب الثانية، بعد عودته إلى البيت الأبيض، تتبنى سياسة أكثر تشددًا تجاه أوروبا، مضيفًا، نحن أمام تصعيد كبير في النهج المتشدد الذي اتبعته واشنطن في ولايته الأولى، مع دعم قوي من القاعدة الشعبية المتعاطفة مع مواقف ترامب الشعبوية، ونواب لا يترددون في الإعلان عن عدائهم للقارة الأوروبية.
ويضيف المنجي لـ"العرب مباشر"، هذا الخطاب يعكس تحولًا جذريًا في فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية، لم تعد العلاقات عبر الأطلسي تستند إلى قيم التحالف التقليدي، بل أصبحت محكومة بمبدأ من يدفع يحصل على الحماية، في هذا السياق، أصبحت التجارة أداة صراع، والسياسات الاقتصادية أداة ضغط على الحلفاء.
ويتابع أستاذ العلاقات الدولية: ما نراه اليوم هو انهيار تدريجي للعلاقة التي كانت تُوصف لعقود بأنها متينة بين الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أصبحت الآن علاقة مليئة بالتوتر والتنافس، وقد نشهد في المستقبل القريب تحولًا إلى خصومة علنية بين الطرفين إذا استمر هذا النهج العدائي.