لغز السويداء المعتم.. وفاة الشيخ المتني تفجّر الغضب.. من هو؟
لغز السويداء المعتم.. وفاة الشيخ المتني تفجّر الغضب.. من هو؟
تشهد السويداء واحدة من أكثر لحظاتها حساسية منذ سنوات، بعد أن تحوّلت وفاة الشيخ رائد المتني والشيخ ماهر فلحوط إلى كرة نار تتدحرج فوق صفيح اجتماعي ساخن أصلًا، فالمحافظة التي تعاني من خلل واضح في تماسكها الداخلي، تجد نفسها اليوم أمام مأزق مزدوج، روايات رسمية تسوّغ إجراءات أمنية ضرورية، وروايات شعبية تشكك في كل تفصيل، وتستحضر تاريخًا طويلًا من الصدامات والاحتقان، وفيما يحاول الحرس الوطني تقديم صورة عملية استباقية لضبط خلايا تتهم بالسعي لزرع الفوضى، تتداول المنصات المحلية صورًا ومقاطع تُظهر آثار تعذيب مزعومة على جثمان الشيخ المتني، لتتحول القضية من حادثة وفاة عابرة إلى حدث سياسي واجتماعي يهدّد بإعادة رسم حدود النفوذ والثقة داخل الجبل، ومع غياب جهة محايدة قادرة على الحسم، تتسارع الأسئلة وتتصاعد المخاوف من أن يتدحرج المشهد نحو أزمة أكبر قد تعيد السويداء إلى مربّعات توتر تتمنى العائلات ألا تعود إليها.
من هو رائد المتني؟
ينحدر الشيخ رائد المتني من قرية الكسيب في ريف السويداء الشرقي، ويُعدّ من أبرز الوجوه الاجتماعية والدينية التي برزت خلال السنوات الأخيرة في المحافظة.
مع اندلاع الاحتجاجات الواسعة ضد نظام الأسد المخلوع عام 2023، تولّى المتني قيادة أحد الفصائل المحلية المعارضة، واكتسب حضورًا لافتًا داخل الحراك الشعبي الذي تمدّد لاحقًا خلال عام 2024.
وقد عاد اسمه إلى الواجهة حين اختفى في ظروف وصفت بأنها غامضة؛ ما أثار جدلاً واسعًا داخل السويداء، حيث وُجّهت أصابع الاتهام آنذاك إلى جهات مرتبطة بالنظام.
وفي الأشهر الماضية، اعتُقل المتني على يد الحرس الوطني في المحافظة، بتهمة التخطيط لـ“محاولة انقلاب” على سلطة شيخ العقل حكمت الهجري، زاد الغموض حول مصيره بعد تسريب مقاطع مصوّرة قيل إنها تُظهر تعرّضه للتعذيب خلال فترة احتجازه، ما ساهم في تفجّر موجة الغضب الحالية.
احتقان وغضب
تعيش السويداء منذ الإعلان عن وفاة الشيخين رائد المتني وماهر فلحوط حالة احتقان كبيرة، بعد أيام فقط من توقيفهما خلال حملة أعلن عنها الحرس الوطني التابع لشيخ العقل حكمت الهجري.
وقد وصف الحرس هذه الحملة بأنها عملية أمنية وقائية جاءت استنادًا إلى معلومات عن نشاط مجموعات تعمل على تشكيل خلايا داخلية تستهدف مواقع مدنية ودينية عبر التفجيرات والاغتيالات.
وبحسب البيان الرسمي، فإن الاعتقالات التي نُفذت جاءت بعد اعترافات موثقة قال الحرس إنه سيقوم بنشرها لإثبات تورط المشتبه بهم.
لكن هذه الرواية الرسمية سرعان ما واجهت عاصفة تشكيك واسعة، خصوصًا بعد انتشار صور وفيديوهات تُظهر جثمان الشيخ رائد المتني وعليه آثار يُرجّح أنها ناتجة عن تعذيب.
وفيما أكد بيان الحرس الوطني، أن وفاة المتني جاءت نتيجة جرعة دواء زائدة، وأن الشيخ ماهر فلحوط توفي جراء نوبة قلبية، بدت هذه التفسيرات غير مقنعة لعدد كبير من أبناء المحافظة، الذين طالبوا بتحقيق مستقل وشفاف لا يخضع لأي جهة سياسية أو دينية.
اتساع الفجوة
تكمن خطورة هذه القضية في أنها تأتي في سياق بالغ التعقيد تعيشه المحافظة منذ سنوات، حيث تتداخل الأدوار الأمنية والدينية والعائلية بصورة تجعل كل حادثة محملة بمدلولات سياسية واجتماعية.
كما أن الحرس الوطني، الذي يقدّم نفسه كقوة محلية هدفها حماية الجبل من الفوضى، بات اليوم في موقع دفاعي غير مسبوق، بعد أن اضطر للإعلان عن توقيف عنصرين بشبهة “إساءة معاملة معتقل”، ورغم أن الخطوة اعتُبرت محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، فإنها لم تهدئ المخاوف المتصاعدة.
في المقابل، يرى مؤيدو الحرس الوطني أن الحملة الأمنية كانت ضرورية لقطع الطريق أمام محاولات “اختراق خطيرة” للسويداء، وأن استغلال الوفاة لإثارة الفوضى يصب في مصلحة القوى التي تسعى لزعزعة استقرار الجبل.
لكن هذا الطرح يواجه اعتراضات واسعة، إذ يؤكد معارضون أن غياب الشفافية، وظهور أدلة بصرية على سوء المعاملة، يجعل من الصعب تصديق أي رواية رسمية من دون تحقيق قضائي مستقل.
ومع اتساع الفجوة بين الروايتين، يبدو أن السويداء تقف اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن تنجح القيادات الدينية والاجتماعية في احتواء الأزمة عبر كشف ملابسات ما جرى بشفافية كاملة، أو أن يدخل المشهد في دوامة جديدة تعمّق الشرخ داخل مجتمع لطالما اعتمد على وحدته الداخلية لتجاوز أزماته.
وفي ظل غياب أي ضمانات أو مؤشرات على قرب الحسم، تبدو القضية مرشحة للبقاء في واجهة المشهد، وربما التحول إلى محطة مفصلية في تاريخ المحافظة المعاصر.

العرب مباشر
الكلمات