بين واشنطن وموسكو.. كواليس مفاوضات اللحظة الأخيرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا
بين واشنطن وموسكو.. كواليس مفاوضات اللحظة الأخيرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا
تدخل الحرب في أوكرانيا منعطفًا جديدًا قد يُعيد رسم خريطة التوازنات الدولية، مع تحرّكات مكثفة تقودها واشنطن عبر قنوات غير تقليدية، ففي الوقت الذي استهلكت فيه الحرب سنوات من الدم والدمار دون اقترابٍ واضح من تسوية شاملة، تشهد الساحة السياسية نشاطًا لافتًا بقيادة شخصيات ليست من الصف الرسمي الأول في الإدارة الأمريكية، لكنها باتت تتحكم في مفاصل الملف الأوكراني، وبينما تتجه الأنظار إلى موسكو لمعرفة ما إذا كانت فرص إنهاء الحرب باتت واقعية، يظهر اسم جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، مجددًا في صدارة المشهد السياسي والدبلوماسي، إلى جانب المبعوث الخاص ستيف وويتكوف، في خطوة تثير تساؤلات حول الدور المتنامي للسياسة الخلفية في صناعة قرار الحرب والسلام، ومع تصاعد الحديث عن “تفاؤل كبير” في البيت الأبيض، يبدو أن الأيام المقبلة قد تضع الأسس لاتفاق يُنتظر منذ سنوات.
دور كوشنر.. حضور خارج المؤسسة الرسمية
تشهد المفاوضات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا تحوّلًا نوعيًا مع اقتراب موعد اجتماع مرتقب في موسكو، سيضم المبعوث الأمريكي الخاص ستيف وويتكوف وجاريد كوشنر، المستشار السابق في إدارة ترامب وأحد الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في الدبلوماسية الأمريكية الحديثة، هذا الاجتماع الذي سيعقد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يُعد نقطة فارقة في المسار التفاوضي الذي تعثر طويلًا بين جولات حوارية لم تُحدث تغييرًا ملموسًا في مسار الحرب.
ووفقًا لمصادر أمريكية، تأتي هذه الزيارة وسط موجة من التفاؤل داخل البيت الأبيض، حيث عبّرت المتحدثة باسم الرئيس ترامب، كارولين ليفيت، عن قناعة الإدارة بأن نافذة اختراق سياسي باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى، ويبدو أن واشنطن تسعى إلى انتزاع اتفاق يُعيد ضبط بوصلة الحرب، خصوصًا بعد تورط الأطراف الدولية في مسارات عسكرية واقتصادية أنهكت الجميع.
عودة كوشنر إلى قلب الدبلوماسية الدولية تُثير الكثير من الاهتمام، فبعد خروجه من الإدارة الرسمية، كان من المتوقع أن يبتعد عن الملفات السياسية الحساسة، غير أن تجربته السابقة في الشرق الأوسط وخاصة في إدارة الاتفاقات المتعلقة بملف غزة جعلت منه لاعبًا يمكن الاعتماد عليه في الملفات المعقدة، كما أن علاقاته السابقة مع مسؤولين روس، وإن كانت موضع جدل، تمنحه قدرة على فتح قنوات غير تقليدية.
وتشير تقارير إلى أن كوشنر وويتكوف باتا يتصدران فريق التفاوض الأمريكي، في حين جرى تهميش وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي عُرف بموقفه المتشدد الداعم لأوكرانيا دون تنازلات، الغياب اللافت لروبيو عن زيارة موسكو المقبلة يعكس طبيعة التحول في أسلوب إدارة الملف، حيث تميل واشنطن الآن نحو البراغماتية وموازنة المصالح بدلًا من الضغوط التقليدية.
خطة سلام مثيرة للجدل
المحادثات السابقة أسفرت عن صياغة خطة من 28 بندًا، وُصفت بأنها تميل لصالح موسكو بسبب تضمنها سقفًا معينًا للقوات الأوكرانية، إضافة إلى قبول محتمل بتنازلات إقليمية، وقد أثارت تلك البنود موجة غضب في كييف والدوائر الغربية، مما دفع الوفود إلى إعادة التفاوض والبحث عن صيغة أكثر توازنًا.
النسخة الجديدة التي تقلصت إلى 19 بندًا فقط، قُدمت باعتبارها أكثر واقعية وقابلية للتطبيق، وهو ما أكده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث وصف المسودة الجديدة بأنها “أفضل من سابقاتها”، وإن أقرّ بأن ملف الأراضي المحتلة سيبقى “العقدة الأصعب في أي اتفاق”.
مواقف موسكو.. شروط لا تتغير
ورغم هذا الحراك المحموم، ما تزال مواقف موسكو متصلبة فيما يتعلق بالمناطق الأربع التي أعلنت ضمها: خيرسون، زابوريجيا، دونيتسك، ولوغانسك، فضلًا عن القرم التي تعتبرها روسيا “قضية مغلقة”.
يشدد بوتين على أن أي وقف لإطلاق النار مشروط بانسحاب كامل للقوات الأكرانية من هذه المناطق، وهو ما تعتبره كييف خطًا أحمر.
هذا المأزق يجعل مهمة كوشنر وويتكوف أكثر تعقيدًا، إذ يتوجب عليهما إقناع الكرملين بأن التسوية لا بد أن تتضمن حلولًا وسطًا تتيح استمرار السيادة الأوكرانية على جزء من أراضيها على الأقل، في مقابل ترتيبات أمنية مطمئنة لروسيا.
في إطار الجهود المستمرة، أجرى زيلينسكي اتصالًا هاتفيًا مع وويتكوف من باريس، بمشاركة ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لمراجعة آخر المستجدات.
كما التقى وويتكوف كبير المفاوضين الأوكرانيين رستم عمروف، الذي عبّر عن “تقدم ملحوظ” خلال المباحثات السابقة في فلوريدا، مؤكدًا الحاجة إلى “صياغة أكثر دقة” للمسودة قبل تقديمها بصيغتها النهائية لموسكو.
وعلى الرغم من الحذر الذي يرافق هذه التحركات، فإن المؤشرات الحالية تدل على أن هناك نافذة تفاوضية حقيقية قد تُفضي إلى اتفاق جزئي يمهّد لاتفاق شامل لاحقًا، وربما يكون التحرك الحالي هو الأكثر جدية منذ بدء الحرب عام 2022.

العرب مباشر
الكلمات