كورونا تُحاصِر العراقيين.. القطاع الصحيّ ينهار ولا بديل عن "مناعة القطيع"
جاءت أزمة تفشي وباء كورونا في العراق، لتضيف لأوجاع العراقيين جرحا جديدا وخطيرا يهدد ملايين العراقيين، فالقطاع الصحي منهار من قبل أن تأتي كورونا، والظروف الاقتصادية لا تحتمل إجراءات احترازية من المسؤولين فالغالبية العظمى من العراقيين لا يملكون مدخرات يمكنها الصمود أمام التحديات المتتالية في ظل عجز الحكومة عن مواجهة تفشي فيروس كورونا وكذلك عجزها عن مواجهة تداعياته الاقتصادية أو رفض مطالبات القطاع الخاص، وخصوصا أصحاب الأعمال الصغيرة الذين تضررت مصالحهم بسبب استمرار حظر التجوال، إلى تخفيف إجراءات الحد من الحركة وتقليص ساعات حظر التجوال في وقت يواجهون فيه أزمة اقتصادية خانقة.
أعداد المصابين تفوق الأعداد المعلنة بـ 10 أضعاف.. والقطاع الصحي انهار
نقابة الأطباء في العراق أكدت أن الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة يوميًا عن أعدد المصابين بفيروس كورونا وعدد الوفيات غير صحيحة ولا علاقة لها بالأعداد الحقيقية التي تختلف على أرض الواقع تمامًا.
وأوضحت النقابة، أن الإصابات والوفيات المعلنة لا تساوي عشرة بالمئة من الأعداد الحقيقية، مؤكدة أن الفترة القادمة ستكون بالغة الحرج في مواجهة كورونا والنظام الصحي يقف حاليا على حافة الانهيار.
وأضافت النقابة أن استقبال الطواقم الصحية المرضيىفي ردهات المستشفيات زاد أعداد المصابين بينما كان من المفروض أن يقتصر على استقبال الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا، فضلا عن نقص التجهيزات الطبية والمسحات وعدم تخصيص الأموال اللازمة لوزارة الصحة لمواجهة الوباء.
مجبرون على تخفيف إجراءات الاحترازية رغم زيادة أعداد المصابين
من جانبه، أكد مصدر مسؤول في وزارة الصحة العراقية، أن عدد المصابين يتضاعف يوميًا، وفقد العراق القدرة على رصد ومتابعة العدد الحقيقي للمصابين منذ فترة طويلة، مؤكدًا أن انفلات الأوضاع دفع السلطات العراقية للتشديد على الأطقم الطبية بضرورة عدم الحديث لوسائل الإعلام حتى تستطيع دفن الحقائق وعدم إثارة الفزع بين المواطنين.
وأضاف، الأمر لا يحتاج لأطباء ومسؤولين لتوضيح الأمر، فالجميع يدرك جيدًا محدودية أجهزة الاختبار في بلد يعاني نظام الرعاية الصحية فيه من انهيارات هائلة قبل تفشي وباء كورونا، موضحًا أن إجراءات السلطات العراقية بحظر التجوال وتعطيل الدراسة وإغلاق الأماكن العامة كالمتنزهات ودور السينما والمساجد والمقاهي وتعليق الرحلات الجوية أمر لم يشكل فارقًا في حصار فيروس كورونا وكل ما فعلته تلك القرارات هي حصار المواطنين أنفسهم وتدمير الاقتصاد وتضرره بشدة أجبرت الحكومة على تخفيف تلك الإجراءات رغم زيادة أعداد المصابين.
"مناعة القطيع" الحل الوحيد الذي يملكه العراق ضد كورونا
الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت المسؤولين في العراق لاتخاذ قرارات بتخفيف إجراءات حظر التجوال رغم أن القرار جاء مع ارتفاع قياسي في أعداد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا تجاوزت الـ1500 إصابة يوميًا، وسط انتقادات تصف الأداء الحكومي لمواجهة كورونا بـ"البطيء وغير الفعال"، وتحذيرات من انهيار القطاع الصحي بشكل كامل.
وبحسب خبراء فإن العراق ذاهب نحو تطبيق "مناعة القطيع"، وهو المصطلح الطبي الذي يعني السماح بالإصابة التدريجية لعدد معين من الناس على أمل أن تطور نسبة كافية من السكان مناعة تسمح بوقف انتشار المرض.
وأوضح مصدر مسؤول في دائرة الصحة العامة في العراق قوله إن "مناعة القطيع بدأت تستخدم في كل دول العالم لأننا أمام فيروس لا تتوفر له حتى الآن أية علاجات أو أدوية مؤكدة وليس أمامنا إلا اعتماد الإجراءات الوقائية واعتماد مناعة القطيع التي تأتي لأن المرض منتشر بين فئات المجتمع وهناك الكثير من الأشخاص يحملونه دون أية أعراض بسبب مناعتهم القوية"، مؤكدًا بما لا يدع مجالًا للشك أن العراق سائر نحو مناعة القطيع.
يذكر أن مناعة القطيع شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة، وتحدث عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعةً لعدوًى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقًا أو التلقيح، مما يُوفر حمايةً للأفراد الذين ليس لديهم مناعةٌ للمرض.
إذا كانت نسبةٌ كبيرةٌ من السكان تمتلك مناعةً لمرضٍ معين، فإنه يُساعد في عدم نقل هؤلاء الأشخاص للمرض، وبالتالي يُحتمل أن تتوقف سلاسل العدوى، مما يؤدي إلى توقف أو إبطاء انتشار المرض. كُلما زادت نسبة الأفراد الذين لديهم مناعةٌ في المجتمع، كلما يقلُّ احتمال اختلاط الأفراد الذين لا يمتلكون مناعةً مع أشخاصٍ ناقلين للمرض، مما يُساعد على حمايتهم من العدوى.
الأداء الحكومي ضعيف.. والأعداد الحقيقية للإصابة تفوق أسوأ كوابيسنا
يقول حسن إبراهيم، 44 عاما، الأداء الحكومي إذا استمر سيسقط ملايين العراقيين ضحايا للفيروس القاتل، فهناك بُطء غير طبيعي وقرارات متضاربة وتقاعس في مختلف الوزارات، فوزارة الصحة تتهم وزارة المالية بالتقاعس عن تأمين التخصيصات المالية المطلوبة لها، وباقي الوزارات يتهمون وزارة الصحة بالفشل في إدارة الأزمة مما تسبب في ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس رغم الإجراءات الاحترازية التي تضرر الاقتصاد بسببها بشدة، فلا هم أنقذوا الناس ولا تركوا عجلة الإنتاج دائرة.
وأضاف إبراهيم، يوميًا نسمع في نشرات الأخبار أن العراق يسجل أعلى معدل يومي للوفيات بفيروس كورونا منذ ظهوره في البلاد، وهذا يعني أن الأعداد ترتفع والإصابات تتفشى والأرقام مخيفة، موضحًا أن الأكثر أسفًا هو تأكيد معظم الخبراء أن الأعداد الحقيقية للمصابين في العراق تفوق الأرقام المعلنة بـ 10 أضعاف على الأقل، وجميع العراقيين يدركون جيدًا أن الأرقام الحقيقية للإصابات تفوق ما يمكن أن نتخيله في أسوأ كوابيسنا.
نحن مع إلغاء كامل الإجراءات الاحترازية، وإلغاء تدابير التباعد الاجتماعي وإجراءات العزل الصحي والسماح للناس بممارسة حياتهم الطبيعية، وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية من جديد، لاكتساب مناعة ذاتية، خصوصا وأن العديد من التقارير قد أكدت أن نسبة كبيرة من المصابين لا يشعرون بأي أعراض أو مضاعفات.
وأضاف، إن إجراءات التباعد الاجتماعي ليست حلا عمليا لمكافحة الوباء حتى وإن أدت إلى انحسار الفيروس، والسبب هو أن هذا الإغلاق يؤدي إلى شل حركة الاقتصاد، أي أن أناسا كثيرين يجدون أنفسهم بدون أي موارد للعيش.
وأشار إلى أن نجاح إجراءات التباعد الاجتماعي قد تكبح انتشار الوباء لبعض الوقت، إلا أن الفيروس يعود مرة أخرى، إذا جرى تخفيف القيود.
عدد المصابين في محافظة واحدة يفوق الأعداد المعلنة رسميًا
في السياق ذاته، يقول عثمان الكاظم، 39 عاما: لا يوجد أماكن في المستشفيات العراقية وعلى مَن يتأكد من إصابته بفيروس كورونا أن يعزل نفسه منزليًا ويبحث عن الدواء في الصيدليات ويلجأ للعلاج عبر الإنترنت مع أحد الأطباء الموثوق فيهم.
وتابع، الدولة لا تستطيع الصمود والجميع يرى عجزها أمام احتواء تفشي الفيروس في طول العراق وعرضها، الأعداد التي تعلنها وزارة الصحة يوميًا غير حقيقية أو واقعية فهنا كل عراقي يعرف على الأقل 10 أشخاص مصابين في كورونا واحد منهم تعلم عنه الحكومة والباقون يتلقون العلاج في منازلهم إن وجد.
وأضاف، إذا تم عمل مسحات لمعرفة العدد الحقيقي للمصابين بفيروس كورونا فسنكتشف أن أعداد الإصابات في محافظة واحدة من محافظات العراق تفوق إجمالي ما تعلن عنه وزارة الصحية يوميًا ولمدة شهر كامل.
وأشار الكاظم إلى أن الأكثر مأساوية من تفشي فيروس كورونا هو زيادة نسبة البطالة والفقر بشكل غير مسبوق دعا الناس للنزول رغم معرفتهم أنهم لن يجدوا أماكن في مستشفيات العراق إذا أصيبوا، ولجأ عدد كبير من العراقيين لشراء أدوية الأعشاب ومقويات المناعة في محاولة لهزيمة المرض إذا ما أصيبوا به، معتبرين اختباءهم في منازلهم يعني هلاكهم بشكل مؤكد 100%، أما نزولهم لممارسة أعمالهم وإصابتهم فيشكل خطورة على حياتهم بنسب ضئيلة للغاية.