على وقع الغارات المتكررة التي تضرب جنوب لبنان منذ اندلاع حرب الظل المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، جاء مقتل القيادي علي حسن غريب، نائب قائد وحدة 4400، ليعكس تحوّلًا لافتًا في طبيعة الأهداف التي باتت تل أبيب تركز عليها. هذا الرجل لم يكن مجرّد مسؤول ميداني، بل كان يشغل موقعًا محوريًا في شبكة التهريب التي تربط إيران بحزب الله عبر مطار بيروت ومعابر الحدود السورية.

 اغتياله جاء في سياق تصعيد نوعي يستهدف الرؤوس المدبرة للخطوط اللوجستية، وليس فقط المقاتلين على الجبهات، عملية التصفية التي وقعت في بلدة كوثرية السياد جنوبي لبنان، تكشف عن دقة استخباراتية إسرائيلية وقرار استراتيجي باستنزاف بنية حزب الله من الداخل، عبر استهداف من يموّل، يخطط، ويهرّب، أكثر ممن يطلق الصواريخ.

*تفاصيل العملية وملابساتها*

في صباح الأحد، استهدفت طائرة إسرائيلية سيارة مدنية في بلدة كوثرية السياد جنوب لبنان؛ ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة ثالث.

لم يتأخر الجيش الإسرائيلي في إصدار بيان يؤكد فيه مسؤوليته عن الهجوم، موضحًا أن القتيل الرئيسي هو علي حسن غريب، نائب قائد وحدة 4400 التابعة لحزب الله، والمسؤول عن عمليات تهريب عسكرية معقّدة بين إيران ولبنان.

وبحسب البيان، فإن غريب كان يشرف على تهريب أسلحة متطورة وأموال نقدية لصالح حزب الله، مستخدمًا مطار بيروت الدولي كنقطة عبور مركزية، وبالتعاون مع موظفين تابعين للحزب داخل المطار.

كما كان يدير شبكات تهريب على الحدود السورية – اللبنانية، ويتعامل مباشرة مع مهربي سلاح في تلك المناطق.

لم تقتصر العملية الإسرائيلية على كوثرية السياد؛ ففي الوقت ذاته، أغارت طائرة أخرى على منزل في بلدة حولا؛ ما أسفر عن مقتل شخص ثالث، لم تُحدّد هويته بعد.

ويرجح أن تكون تلك الضربة مكملة للعملية الأولى، في إطار استهداف البنية التحتية اللوجستية لحزب الله.

*من هو علي حسن غريب؟*

عُرف غريب داخل أوساط حزب الله باعتباره "الذراع اللوجستي الصامت"، حيث لعب دورًا حاسمًا في تأمين تدفق الأسلحة الدقيقة إلى لبنان.

وعلى الرغم من ندرة ظهوره العلني، فإن نشاطه ارتبط بشكل وثيق بقائد الوحدة محمد جعفر قصير، الذي قُتل هو الآخر في غارة إسرائيلية قبل أشهر.

يُعتقد أن غريب كان بمثابة العقل التنفيذي لعمليات التهريب، حيث كان يتنقل بين دمشق وبيروت، ويشرف على تنسيق عمليات التسليح بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.

كما تشير تقارير استخباراتية، أن غريب تولّى تنفيذ صفقات تسليح مباشرة مع شبكات تهريب سلاح تنشط في البقاع اللبناني، ما عزز قدرات الحزب في المناطق الجنوبية على وجه الخصوص. وقد صنّفته إسرائيل كـ"هدف أمني عالي الخطورة" منذ عام 2019.

*ما هي وحدة 4400؟*

تُعد وحدة 4400، المعروفة داخل حزب الله باسم "الوحدة 108"، الذراع السرية المختصة بتهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان، مرورًا بسوريا والعراق.

ويقع مقرّها الرئيسي في دمشق، لكنها تنشط على طول خطوط الإمداد المرتبطة بما يُعرف بمحور المقاومة الذي يضم طهران وبغداد ودمشق وبيروت.

تتمثل مهمة هذه الوحدة في نقل الأسلحة الحساسة - مثل الصواريخ الموجهة بدقة والطائرات المسيّرة والذخائر الحديثة - إلى مستودعات سرّية في لبنان. 

وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن الوحدة عملت منذ عام 2018 على تطوير شبكة معقدة تستفيد من طائرات مدنية ومرافق حكومية، وعلى رأسها مطار بيروت، لنقل الأسلحة بشكل غير مرئي.

وخلال العامين الماضيين، ركّزت إسرائيل بشكل خاص على تتبّع أنشطة هذه الوحدة، حيث استهدفت عدة مواقع ومستودعات وصفت بأنها "عُقد لوجستية" مرتبطة بها.

 وتُظهر عمليات الاغتيال الأخيرة، أن تل أبيب باتت تفضّل استهداف قيادات الصف الثاني ذوي الأدوار الحيوية، بدلاً من الشخصيات القيادية الرمزية فقط.