رمضان 2025 في ليبيا.. موائد متواضعة في ظل الغلاء وانعدام السيولة
رمضان 2025 في ليبيا.. موائد متواضعة في ظل الغلاء وانعدام السيولة

يحلّ شهر رمضان في ليبيا هذا العام وسط تحديات اقتصادية تفاقمت بفعل الأزمات السياسية والنقدية التي تعيشها البلاد. وبينما كان الشهر الفضيل يرتبط في أذهان الليبيين بأجواء العطاء والتجمعات العائلية، باتت المائدة الرمضانية في 2025 تحمل بصمات الأزمة، حيث تكافح الأسر لتأمين احتياجاتها الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار ونقص السيولة.
مع قرارات حكومية غير مؤثرة، واستغلال التجار للطلب المتزايد، يجد المواطن الليبي نفسه عالقًا بين غلاء المعيشة وصعوبة التكيّف مع واقع اقتصادي لا يرحم، ورغم محاولات السلطات للسيطرة على الوضع، فإن التدابير المتخذة لم تنجح حتى الآن في تخفيف العبء عن المواطنين.
ارتفاع الأسعار وشح السيولة.. معاناة يومية
لم تكن "سمية العجيلي"، ربة منزل من طرابلس، تتوقع أن تتحول استعدادات رمضان هذا العام إلى تحدٍّ حقيقي، إذ تقول: "كل عام نشكو من ارتفاع الأسعار في رمضان، لكن هذا العام الوضع مختلف تمامًا".
وأضافت العجيلي لـ"العرب مباشر"، الألبان واللحوم وحتى المواد الأساسية تضاعفت أسعارها، ولا يوجد أي بوادر لانخفاضها حتى مع مرور أيام الشهر، وتشير العجيلي أن الأزمة لا تقتصر على الغلاء فحسب، بل تتفاقم بفعل أزمة السيولة التي جعلت شراء الاحتياجات اليومية عبئًا إضافيًا.
في بنغازي، يعاني طارق الزوي، وهو موظف حكومي، من مشكلة مشابهة، حيث يؤكد أن المصارف لم تفتح أبوابها إلا لسحب مبالغ محدودة، ما أجبر الكثيرين على اللجوء إلى وسائل الدفع الإلكتروني، رغم الفارق الكبير في الأسعار عند الشراء عبر البطاقات المصرفية، حتى لو كان لديك المال في حسابك، فإن فارق السعر عند الدفع الإلكتروني يجعل الأمور أكثر صعوبة، فالمحالّ تفرض زيادات غير مبررة.
محاولات حكومية لضبط السوق.. ولكن بلا تأثير
في محاولة منها لاحتواء الأزمة، أعلنت وزارة عن حملات تفتيشية لضبط الأسعار والحد من التلاعب بها، إلا أن هذه الإجراءات لم تؤتِ ثمارها على أرض الواقع.
ويعلّق "عبد الكريم الورفلي"، وهو تاجر من مصراتة، على ذلك قائلاً: "الحكومة تعلن قرارات، لكنها لا تملك القدرة على تنفيذها"، مضيفًا الأسعار ترتفع بسبب تكاليف النقل والتخزين، والقرارات الحكومية لا تقدم حلولًا حقيقية.
ويشير خبراء اقتصاديون، أن تداخل السلطات بين البنك المركزي والحكومة أدى إلى تأخير صرف الرواتب، ما زاد من الأزمة وأثّر على القوة الشرائية للمواطنين.
يقول الورفلي: منذ عام أصدرت الحكومة قرارًا بإغلاق أسواق الأغنام في مناطق واسعة من البلاد بسبب تفشي الحمى القلاعية؛ ما أدى إلى نقص في اللحوم وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق.
وأضاف، أن الأمر لم يتحسن حتى الآن كان سعر الكيلوغرام من اللحم يصل إلى 40 دينارًا، العام الماضي وصل إلى 70 دينارًا بسبب نقص المعروض، ورغم الإعلان عن انتهاء الازمة إلا أن السعر وصل إلى 80 دينارًا في رمضان الحالي، لافتًا: حتى لو تمكنا من استيراد اللحوم، فإن الأسعار لن تعود إلى طبيعتها بسهولة.
النازحون.. رمضان بطعم الفقدان
في مدينة درنة، حيث ما تزال آثار الفيضانات الكارثية التي ضربت المنطقة منذ أكثر من 20 شهرًا حاضرة، يواجه النازحون تحديات تفوق صعوبة تأمين الغذاء.
"ليس لدينا مشكلة في الأسعار فقط، بل حتى في تأمين سكن لائق"، يقول "مروان الشيباني"، أحد النازحين من درنة، الذي يعيش منذ أشهر في مركز إيواء مؤقت.
ويضيف: كانت الحكومة توزع مساعدات في البداية، لكنها توقفت تدريجيًا، واليوم نعتمد على أهل الخير لتأمين احتياجاتنا.
مائدة رمضان.. تقاليد تحت ضغط الأزمة
رغم الصعوبات، يحاول الليبيون الحفاظ على طقوسهم الرمضانية، لكن بتعديلات فرضها الواقع الاقتصادي، تقول "فاطمة البدري"، وهي أم لأربعة أطفال من سبها: كنا نعدّ موائد عامرة بالشوربة والبراك والمبطن، لكن الآن نقتصر على الضروريات فقط، الحلويات أصبحت رفاهية، ونفضل تحضيرها في المنزل بدلًا من شرائها.
ويبدو أن الأزمة غيّرت عادات كثيرة، حيث بات التركيز على الوجبات الأساسية مع الاستغناء عن الكماليات، كما اتجهت بعض العائلات إلى تنظيم موائد مشتركة لتقليل النفقات، وهو ما يعكس قدرة المجتمع الليبي على التأقلم مع الأزمات من خلال التضامن الاجتماعي.