حماس في القاهرة.. مفاوضات شاقة وآمال مصرية بحل قريب
حماس في القاهرة.. مفاوضات شاقة وآمال مصرية بحل قريب

وسط أجواء مشحونة بالتوتر والتعقيد السياسي، تُواصل القاهرة لعب دورها المحوري كوسيط رئيس في المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، حيث استقبلت وفدًا من الحركة في محاولة لدفع عجلة التفاهمات بشأن هدنة دائمة في قطاع غزة، وبينما تتباين مواقف الأطراف المعنية، بدا لافتًا تفاؤل المسؤولين المصريين إزاء التطورات الأخيرة، لا سيما بعد تغيير في الموقف الأميركي تجاه القضية، ومع ذلك، تبقى العقبات قائمة، إذ تصر حماس على تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بينما تضغط إسرائيل، مدعومة بأصوات يمينية متشددة، لاستئناف العمليات العسكرية.
تفاصيل المفاوضات ومستجداتها
وصل وفد من حركة حماس، برئاسة عضو المكتب السياسي خليل الحية، إلى العاصمة المصرية القاهرة مساء الجمعة، في زيارة تستهدف استكمال المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية.
ويأتي هذا اللقاء في ظل مساعٍ إقليمية ودولية مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي شهد مؤخرًا تصعيدًا عسكريًا متقطعًا، وسط تزايد الضغوط السياسية لإنهاء حالة التوتر المستمرة.
وفي بيان مقتضب، أكدت الحركة أن أجندة المباحثات ستركز على تثبيت الهدنة طويلة الأمد، إلى جانب بحث تنفيذ ما تبقى من بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقًا.
كما أشارت مصادر مطلعة إلى أن الوفد سيُقدم رؤيته بشأن القضايا العالقة، لا سيما ملف تبادل الأسرى، وإعادة الإعمار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد.
من جانبه، أبدى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، تفاؤله إزاء مستقبل الأوضاع في غزة، معتبرًا أن التطورات الأخيرة في الموقف الأمريكي قد تفتح المجال أمام تحقيق تقدم في المحادثات.
وأشار عبدالعاطي إلى أن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مقترح تهجير سكان القطاع، والذي كان قد أثار جدلًا واسعًا، يعد تطورًا محوريًا في مسار الأزمة.
وأكد أن هذا التحول في السياسة الأمريكية قد يسهم في تهيئة أجواء أكثر إيجابية للمفاوضات، خاصة في ظل استمرار التواصل بين القاهرة وواشنطن لتنسيق الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تثبيت الاستقرار في المنطقة.
مرونة حماس ومطالب إسرائيل
وخلال المفاوضات الأخيرة التي جرت في الدوحة، عبر وسطاء مصريين وقطريين وأميركيين، أبدت حماس بعض المرونة في التعامل مع مقترحات المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، إلا أنها شددت على ضرورة تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي من المفترض أن تشمل ترتيبات أكثر شمولية لوقف إطلاق النار.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق في الأول من مارس، تجد الأطراف نفسها أمام تحدٍ جديد يتعلق بإمكانية تمديد المرحلة الأولى أو الانتقال مباشرة إلى الخطوة التالية.
ضغوط إسرائيلية ومعارضة داخلية
في الوقت الذي يُطالب فيه الوسطاء الدوليون بمزيد من التنازلات من قبل الطرفين، تستمر الضغوط داخل الحكومة الإسرائيلية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لعدم الرضوخ لمطالب حماس.
إذ تصر أطراف يمينية متطرفة في الائتلاف الحاكم على إنهاء الهدنة والعودة إلى العمليات العسكرية، معتبرةً أن استمرار التفاوض يمنح حماس فرصة لإعادة ترتيب صفوفها.
من جانبها، ترى إسرائيل أن مطالب حماس غير واقعية، خاصة فيما يتعلق بتبادل الأسرى، حيث تصر الحركة على الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين.
في هذا السياق، أكد البيت الأبيض أن حماس أُبلغت عبر الوسيطين القطري والمصري بضرورة تنفيذ مقترح الإفراج عن عيدان ألكسندر، الأميركي الإسرائيلي المحتجز لدى الحركة، كخطوة ضرورية لتمديد التهدئة.
الموقف المصري
تلعب مصر دورًا حاسمًا في هذه المفاوضات، إذ تسعى جاهدة للحفاظ على استقرار المنطقة ومنع تصاعد الأوضاع في قطاع غزة، لكنها تواجه معادلة معقدة تتطلب توازنًا دقيقًا في التعامل مع الأطراف المعنية.
فعلى صعيد الوساطة، تعمل القاهرة على إقناع حركة حماس بضرورة إبداء مرونة أكبر في مواقفها، بما يسمح بإحراز تقدم في المحادثات، خصوصًا فيما يتعلق بتمديد الهدنة وترتيبات المرحلة التالية من الاتفاق.
وفي المقابل، تُمارس مصر ضغوطًا على إسرائيل لدفعها نحو القبول بصيغة أكثر مرونة، تضمن استمرارية وقف إطلاق النار، مع مراعاة هواجسها الأمنية والسياسية.
إلى جانب ذلك، تدرك القيادة المصرية أن استمرار الاضطرابات في غزة لا يؤثر فقط على الفلسطينيين، بل يشكل أيضًا تهديدًا مباشرًا لمصالحها الأمنية والاستراتيجية.
فتصاعد التوترات على حدودها الشرقية، سواء من خلال تدفق النازحين المحتمل أو من خلال تداعيات عسكرية غير محسوبة، يجعل من الضروري تكثيف الجهود الدبلوماسية لمنع تفاقم الأزمة، وضمان الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
سيناريوهات محتملة
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، إن المفاوضات الجارية في القاهرة تدور حول ثلاثة سيناريوهات رئيسة، ستحدد مستقبل الهدنة في غزة خلال الأيام المقبلة.
وأوضح المنجي - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن السيناريو الأول يتمثل في تمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، وهو خيار تدفع باتجاهه واشنطن وبعض القوى الدولية، على أمل كسب مزيد من الوقت للوصول إلى تسوية أشمل.
وأشار إلى أن هذا السيناريو يتطلب تقديم حماس بعض التنازلات، لا سيما في ملف تبادل الأسرى، لضمان استمرارية التهدئة.
أما السيناريو الثاني وفقًا لأستاذ العلوم السياسية، فيتعلق بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وفقًا لشروط حماس، وهو أمر سيُواجه برفض إسرائيلي واضح، ما قد يؤدي إلى تجميد المفاوضات وتعطيل أي تقدم محتمل، خاصة في ظل الضغوط التي يمارسها التيار اليميني داخل الحكومة الإسرائيلية.
وحذّر المنجي من أن السيناريو الثالث قد يكون عودة المواجهات العسكرية مجددًا، في حال فشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الجهات المعنية.
وأكد أن تصاعد الضغوط داخل إسرائيل، خصوصًا من الأوساط اليمينية المتشددة، قد يدفع الحكومة نحو استئناف العمليات العسكرية بدلًا من تقديم تنازلات.
وختم المنجي تصريحاته بالتأكيد على أن الكرة الآن في ملعب الوساطة المصرية، التي تبذل جهودًا مكثفة لإيجاد صيغة توافقية.