30 يونيو.. الثورة التي أنقذت الهوية المصرية وصانت مؤسسات الدولة

30 يونيو.. الثورة التي أنقذت الهوية المصرية وصانت مؤسسات الدولة

30 يونيو.. الثورة التي أنقذت الهوية المصرية وصانت مؤسسات الدولة
ذكري ثورة 30 يونيو

لم تكن ثورة 30 يونيو 2013 مجرد حراك شعبي عابر، بل كانت لحظة فارقة في التاريخ المصري المعاصر، عبر فيها ملايين المصريين عن رفضهم لانحراف المسار السياسي، وخرجوا دفاعًا عن هوية الدولة ومؤسساتها، بعدما شعروا بأن الكيان الوطني يختطف لصالح مشروع أيديولوجي مغلق لا يعترف بالتعدد ولا بالمواطنة.

عام واحد فقط من حكم جماعة الإخوان كان كافيًا لكشف هشاشة المشروع، وعجزه عن احتواء التنوع المصري، بل وتهديده المباشر لفكرة الدولة الحديثة، وبينما كانت مؤسسات الدولة تعاني من الارتباك، كانت الجماعة تحاول فرض سطوتها التنظيمية في كافة مفاصلها.

فقدان الهوية وتصاعد القلق الشعبي

استشعر المصريون أن هويتهم الوطنية، التي ترسخت عبر قرون من الثقافة والتاريخ والتعايش، باتت مهددة من مشروع يضع الولاء للتنظيم فوق الولاء للوطن، بدا واضحًا أن الجماعة تسعى لإعادة صياغة المجتمع وفق مفاهيم إقصائية، لا تتسع لفكرة الدولة الجامعة.

وقد رافق هذا المسار محاولات حثيثة لإعادة رسم القوانين والدستور بشكل يخدم أغراضًا ضيقة، ويفرض وصاية على المجتمع، وانعكس ذلك في حالة من التوتر السياسي، وغياب الشعور بالاستقرار، ما دفع شرائح واسعة من الشعب إلى التحرك دفاعًا عن جوهر الدولة.

شلل الخدمات وتراجع الأداء

لم يكن الخطر فقط في الهوية، بل أيضًا في الانهيار الميداني للخدمات ومؤشرات الحياة اليومية، عانى المصريون خلال عام الإخوان من أزمات خانقة في الكهرباء والوقود، وارتفاع التضخم، واضطراب الأسواق، وسط حالة من التخبط في إدارة الملفات الاقتصادية والمعيشية.

وظهر فشل الدولة جليًا في فقدان السيطرة على بعض المناطق، وتصاعد نفوذ الجماعات المتشددة، لاسيما في سيناء، بالتزامن مع إطلاق سراح شخصيات معروفة بانتمائها لتيارات متطرفة، وهو ما أدى إلى تصاعد المخاوف من فقدان السيطرة الأمنية.

ثورة تصحيح لا انتقام


جاءت ثورة 30 يونيو كصرخة من أجل تصحيح المسار، لا للانتقام. فقد عبر المتظاهرون عن إرادتهم في الحفاظ على مدنية الدولة، ورفض اختزال الوطن في جماعة أو حزب، كان الحراك بمثابة إعلان شعبي بأن مصر أكبر من أي تنظيم، وأن الشرعية لا تبنى على الصناديق وحدها، بل على الحفاظ على روح الدولة ومؤسساتها.

وقد مكنت الثورة الدولة من إعادة فرض الانضباط، واستعادة هيبتها التي تآكلت خلال حكم الجماعة، وأعادت الاعتبار لفكرة الوطن الموحد القائم على المواطنة لا الانتماء العقائدي.

أعادت 30 يونيو التأكيد على خصوصية الهوية المصرية، التي لا تقبل الذوبان في مشاريع أممية أو رؤى إقصائية، فعبر التاريخ، ظلت مصر دولة مدنية بطابعها، متسامحة مع تنوعها، ومحصنة ضد الاختطاف.

ولقد أدرك المصريون أن الدفاع عن الدولة ليس خيارًا، بل واجب وطني، وأن الاستقرار الحقيقي يبدأ حين تعود مؤسسات الدولة إلى العمل باستقلال وكفاءة، بعيدًا عن منطق التمكين الحزبي.

ويقول الباحث السياسي في شؤون الجماعات الإرهابية سامح عيد: إن ثورة 30 يونيو كانت لحظة استعادة للهوية الوطنية التي كادت تذوب في مشروع أيديولوجي عابر للحدود، مؤكدًا أن المصريين خرجوا دفاعًا عن مفهوم الدولة وليس فقط رفضًا لحكم جماعة بعينها.

وأضاف عيد -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إن ما حدث في عام حكم جماعة الإخوان كشف بوضوح أن التنظيم لم يكن مستعدًا لإدارة دولة بحجم مصر، بل كان يعمل على تفكيك مؤسساتها التقليدية لصالح مراكز قوى موازية تتبع الجماعة، وأخطر ما واجهته الدولة في تلك الفترة كان محاولات اختراق الجهاز الإداري والأمني، وتهميش الكوادر المهنية لصالح الولاء العقائدي، مما كان ينذر بتفكك مؤسسات الدولة على المدى القريب.