روسيا تفرض شروطها.. هل يرضخ الغرب لمعادلة بوتين؟
روسيا تفرض شروطها.. هل يرضخ الغرب لمعادلة بوتين؟

في ظل النزاع المستمر في أوكرانيا والتوترات المتصاعدة بين الشرق والغرب، عادت المحادثات السرية بين موسكو وواشنطن إلى الواجهة، وسط مساعٍ لإيجاد صيغة تضع حدًا للحرب المستعرة منذ أكثر من ثلاث أعوام، وبحسب مصادر مطلعة، وضعت روسيا قائمة مطالب على طاولة المباحثات، تهدف إلى إعادة رسم التوازنات الجيوسياسية بين موسكو والغرب، مع التركيز على قضايا أمنية جوهرية مثل توسع حلف شمال الأطلسي ومصير الأراضي التي ضمتها روسيا، ورغم هذه التطورات، لا تزال الشكوك تحيط بجدية موسكو في إنهاء النزاع، خاصة مع تباين المواقف بين الطرفين بشأن القضايا الأساسية. في الوقت نفسه، تتزايد المخاوف في الأوساط الغربية من أن الكرملين قد يستغل أي هدنة لتعزيز مواقعه العسكرية وتحقيق مكاسب استراتيجية.
موسكو تطرح شروطها.. رسائل إلى واشنطن وأوروبا
أفادت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"رويترز" بأن روسيا قدّمت إلى الولايات المتحدة قائمة شروط تعتبرها ضرورية لإنهاء النزاع في أوكرانيا، لكنها، وفقًا لمراقبين، لا تمثل فقط خارطة طريق لإنهاء الحرب، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية في أوروبا.
ووفقًا للمصادر ذاتها، فإن المسؤولين الروس والأميركيين ناقشوا هذه المطالب في لقاءات مباشرة وأخرى عبر قنوات غير معلنة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، دون أن تتضح بعد إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل.
ورغم غموض التفاصيل، فإن الشروط الروسية تحمل في طياتها رسائل تتجاوز حدود الصراع الأوكراني، حيث تسعى موسكو لضمان تحجيم النفوذ الغربي في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق.
مطالب موسكو.. عودة إلى الطرح القديم؟
بحسب المعلومات المتوفرة، فإن المطالب الروسية ليست جديدة تمامًا، إذ تتقاطع مع شروط سابقة وضعها الكرملين أمام أوكرانيا والغرب، وتشمل:
حياد أوكرانيا التام، وذلك عبر التزام كييف بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي أو إقامة تحالفات عسكرية مع الغرب، بالإضافة لضمانات أمنية تتمثل اتفاق يمنع نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، مع تعزيز دور موسكو في الإشراف على الأمن الإقليمي.
إلى جانب الاعتراف بالوضع الإقليمي الجديد، من خلال إقرار دولي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، فضلًا عن الاعتراف بسيادتها على أربع مناطق أوكرانية أخرى سيطرت عليها منذ بدء الحرب.
ووقف توسع الناتو شرقًا عبر مطالبة روسيا بضمانات رسمية تمنع انضمام دول جديدة إلى الحلف، خصوصًا الجمهوريات السوفيتية السابقة.
هذه المطالب، التي سبق أن رفضتها كييف وحلفاؤها الغربيون، تعكس مساعي روسيا لإعادة فرض معادلة جديدة في أوروبا، حيث تسعى إلى رسم حدود واضحة لنفوذها الأمني، وإرسال رسالة مفادها أن أي اتفاق لا بد أن يأخذ في الحسبان مخاوفها الاستراتيجية.
هدنة مؤقتة أم استراحة محارب؟
يأتي طرح هذه المطالب في وقت يترقب فيه العالم قرار موسكو بشأن مبادرة وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، والتي أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده لقبولها كبداية لحوار سياسي.
لكن الغموض يحيط بموقف الكرملين، إذ لم يصدر بعد أي تأكيد رسمي بشأن استعداده للدخول في هدنة حقيقية، ما يثير المخاوف من أن موسكو قد تستغل التهدئة لتعزيز مواقعها العسكرية وإعادة ترتيب قواتها على الأرض.
في هذا السياق، حذر مسؤولون أمريكيون وغربيون من أن بوتين قد يسعى إلى كسب الوقت من خلال هذه الهدنة، بهدف تعميق الانقسامات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وأوروبا، لا سيما مع تصاعد الجدل في العواصم الغربية حول استمرار دعم كييف عسكريًا واقتصاديًا.
هل تتغير معادلة الحرب؟
على الرغم من أن المحادثات الجارية بين موسكو وواشنطن تعكس تحولًا في طبيعة التفاعل بين القوتين، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة بشأن إمكانية تحقيق اختراق حقيقي. فبينما ترى روسيا أن الظروف أصبحت أكثر نضجًا للوصول إلى تفاهم مع الغرب، تبقى كييف وحلفاؤها متوجسين من نوايا الكرملين.
من جانب آخر، تشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن موسكو تراهن على تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها أوروبا، والانقسامات داخل الإدارة الأمريكية بشأن حجم المساعدات العسكرية لكييف. هذه العوامل قد تدفع الكرملين إلى تصعيد الضغط على الغرب، أملًا في إجبار واشنطن وحلفائها على تقديم تنازلات في المفاوضات المقبلة.
المخاوف الغربية.. بوتين والمناورة السياسية
يرى محللون أن الكرملين لا يفاوض من موقع ضعف، بل يسعى إلى الاستفادة من المتغيرات الدولية لإعادة تشكيل المشهد السياسي لصالحه، فالرئيس الروسي، الضابط السابق في جهاز المخابرات السوفيتية (كي جي بي)، يمتلك خبرة طويلة في استغلال الأزمات لصالحه، وقد يستخدم أي اتفاق محتمل لتثبيت مكاسبه الإقليمية.
وفي هذا الإطار، تتزايد المخاوف في واشنطن والعواصم الأوروبية من أن أية تسوية لا تشمل انسحابًا روسيًا واضحًا من الأراضي المحتلة قد تؤُدي إلى ترسيخ واقع جديد يُجبر الغرب على التعايش معه، وهو ما قد يشكل انتصارًا دبلوماسيًا لبوتين في نهاية المطاف.