الرصاص مقابل الخبز.. إسرائيل تستهدف الفلسطينيين قرب مراكز المساعدات

الرصاص مقابل الخبز.. إسرائيل تستهدف الفلسطينيين قرب مراكز المساعدات

الرصاص مقابل الخبز.. إسرائيل تستهدف الفلسطينيين قرب مراكز المساعدات
حرب غزة

في غزة، لا تُخاض المعارك فقط في الخنادق أو عبر الصواريخ، بل على أبواب مراكز المساعدات، مع كل شروق شمس، يغدو الجوع سلاحًا قاتلًا، يخرج الناس لملاقاته وهم يعلمون أن الخطر لا يأتي فقط من الفراغ، بل من السماء والدبابات والأسلاك الشائكة، في مشهد مأساوي جديد، أُزهقت أرواح أكثر من ثلاثين فلسطينيًا وجُرح المئات، لا في جبهة قتال، بل بينما كانوا يصطفون بحثًا عن الطعام قرب نقطة توزيع مساعدات وسط قطاع غزة، فبدلاً من الطحين، جاءهم الرصاص؛ وبدلاً من الماء، طاردتهم الطائرات المسيّرة، ورغم ضخامة الفاجعة، تواصل صمت المجتمع الدولي، وكأن ما يحدث للفلسطينيين بات خارج نطاق الإدراك الإنساني.

*جريمة دموية*


في ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء، تحوّلت ساحة بالقرب من مركز للمساعدات وسط قطاع غزة إلى مسرح للدم، آلاف الفلسطينيين الذين تجمعوا بحثًا عن قوت يومهم، وقعوا فجأة تحت وابل من الرصاص أطلقته آليات عسكرية إسرائيلية وطائرات مسيرة، في واحدة من أكثر الحوادث دموية منذ انهيار الهدنة الأخيرة.

الدفاع المدني الفلسطيني أكد مقتل 31 شخصًا، فيما ناهز عدد الجرحى 200، بحسب حصيلة أولية مرشحة للارتفاع.

وتفيد الشهادات، أن إطلاق النار بدأ أولًا بشكل متقطع من الدبابات، قبل أن يتصاعد إلى هجوم مركّز نحو الساعة الخامسة والنصف صباحًا، باستخدام نيران طائرات "كواد كابتر" الصغيرة.

الناطق باسم الدفاع المدني، محمود بصل، قال: إن المدنيين كانوا يحاولون الوصول إلى مركز المساعدات الأميركي بالقرب من "جسر وادي غزة" عندما بدأ الهجوم.

*ممر نتساريم: حاجز أمني أم فخ مفتوح؟*


موقع الهجوم لم يكن عشوائيًا، المنطقة المحيطة بمفترق الشهداء – المعروف أيضًا بـ "ممر نتساريم" – تخضع لسيطرة إسرائيلية مشددة، وهو شريط يمتد من حدود إسرائيل الشرقية إلى البحر الأبيض المتوسط، ويقسم قطاع غزة إلى قسمين: شمال وجنوب.

هذه المنطقة تحولت منذ شهور إلى نقطة تماس رئيسية، وغالبًا ما تُستخدم كنقطة دخول محدودة لمساعدات غذائية تمر عبر تنسيق دولي دقيق.

غير أن هذه المساعدات غالبًا ما تكون غير كافية، مما يدفع السكان للمخاطرة بحياتهم من أجل ما يسد الرمق.

*مشهد متكرر في صمت دولي قاتل*


ليست هذه المرة الأولى التي يتحول فيها مركز مساعدات إلى ساحة قتل، فمنذ أسابيع، تواردت تقارير عن استهداف متكرر لحشود مدنية أثناء تجمعها قرب شاحنات الإغاثة، سواء عبر القصف أو بإطلاق نار مباشر.

وفي كل مرة، لا تُفتح تحقيقات دولية، ولا تُفرض مساءلات، ومع توالي هذه الحوادث، يتزايد الشعور بين سكان غزة بأنهم باتوا خارج مظلة القانون الدولي.

*المستشفيات أمام اختبار أخلاقي وطبي*


في مستشفى الشفاء، أحد أكبر المراكز الطبية التي ما تزال تعمل بصعوبة بالغة، قال مديره الدكتور محمد أبو سليمة: إن 24 قتيلًا و96 مصابًا وصلوا إلى أقسام الطوارئ، بينهم أطفال ونساء.

فيما أكدت إدارة مستشفى العودة استقبال سبعة قتلى وأكثر من 100 إصابة أخرى، بعضها خطير للغاية.

المشافي تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الحصار الخانق، ومع ذلك تتعامل مع موجات مستمرة من الإصابات الجماعية التي لم تكن معدّة لها.

*أرقام دامية في حرب مفتوحة*

منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023، قُتل نحو 54,981 فلسطينيًا، وفق وزارة الصحة في غزة، معظمهم من المدنيين.

ومنذ انهيار الهدنة في 18 مارس، قُتل أكثر من 4649 شخصًا، إسرائيل تبرر عملياتها بأنها رد على الهجوم الذي شنّته حركة حماس في أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1218 إسرائيليًا. 

لكن مع اتساع دائرة القتل ليشمل مراكز الإغاثة، تزداد الأسئلة عن طبيعة أهداف هذه الحرب، وخطوطها الحمراء.

*الغذاء كأداة حرب*


من منظور القانون الدولي الإنساني، يُعد استهداف المدنيين أثناء السعي للحصول على مساعدات إنسانية جريمة حرب.

ومع ذلك، يواجه الفلسطينيون في غزة واقعًا مغايرًا، حيث لا تميز الرصاصات بين من يحمل سلاحًا ومن يحمل وعاءً فارغًا.

في ظل غياب أي محاسبة أو ضغط دولي حقيقي، يبدو أن الجوع بات يُستخدم كأداة حرب، وأن السعي للبقاء على قيد الحياة قد يُقابل بالقتل.