جيش بريطانيا في ورطة.. استدعاء تاريخي للكومنولث لإنقاذ القوة العسكرية

جيش بريطانيا في ورطة.. استدعاء تاريخي للكومنولث لإنقاذ القوة العسكرية

جيش بريطانيا في ورطة.. استدعاء تاريخي للكومنولث لإنقاذ القوة العسكرية
الجيش البريطاني

بينما تتعثر المملكة المتحدة في إعادة بناء قدراتها العسكرية وسط أزمات تجنيد مزمنة، يتجه الجيش البريطاني إلى ما تبقى من إرثه الإمبراطوري بحثًا عن الإنقاذ، فالكومنولث، الذي كان رمزًا لعلاقات ثقافية وتاريخية تربط لندن بعشرات الدول، يتحول اليوم إلى خزان بشري يضخ دماءً جديدة في عروق الجيش الذي يعاني من نقص مزمن في عدد أفراده، في مذكرة مسربة كشفت عنها الصحف البريطانية، تبرز ملامح خطة لفتح الباب أمام المئات من أبناء الكومنولث للانضمام إلى الجيش، في خطوة قد تعيد تشكيل هوية المؤسسة العسكرية من الداخل، وبينما يحاول القادة العسكريين التكيف مع عصر تكنولوجي جديد وبيئة جيوسياسية مضطربة، يراهنون على مزيج من الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة وأقدام وافدة من عوالم بعيدة. 

*سد النقص البشري*


في ظل أزمة التجنيد غير المسبوقة التي يمرّ بها الجيش البريطاني، عاد الكومنولث ليتصدر المشهد، ليس كمنظومة رمزية للتعاون الدولي، بل كطوق نجاة فعلي في وجه تقلص صفوف القوات المسلحة.

مذكرة مسربة حصلت عليها صحيفة "التايمز" تكشف عن توجه واضح لدى وزارة الدفاع البريطانية لتعزيز صفوف الجيش بـ330 جنديًا إضافيًا من دول الكومنولث، في إطار خطة عاجلة لسد النقص في القوى البشرية.

وتأتي هذه الخطوة في وقت حرج، حيث تراجع عدد أفراد الجيش النظامي إلى نحو 70,800 جندي، أي دون الحد الأدنى المقدر بـ73,000، وهو الرقم الذي تسعى وزارة الدفاع إلى بلوغه مجددًا، بل ورفعه إلى 76,000 خلال الدورة البرلمانية المقبلة، ومع تصاعد التهديدات الأمنية العالمية وازدياد التحديات اللوجستية، لم يعد بالإمكان تجاهل الفجوة بين الطموحات الاستراتيجية والإمكانات الواقعية.

بحسب القواعد الحالية، يمكن أن تصل نسبة المجندين من الكومنولث إلى 15% من إجمالي القوة المدربة، وهو ما يعادل أكثر من 10,000 جندي.

*مخاوف حول التبعية*


لكن المذكرة المسربة تشير إلى سعي حثيث لتثبيت هذا الرقم على الهدف المستقبلي للجيش، ما يعني استقدام مزيد من الجنود الأجانب حتى مع تصاعد الجدل حول التبعية السياسية لهؤلاء الأفراد، لا سيما إذا اعترضت حكومات بلدانهم على نشرهم في مناطق نزاع.

المذكرة لم تغفل المخاوف المتعلقة بالسيادة والتمثيل الوطني، إذ أقرّ واضعوها بأن الاعتماد المفرط على عناصر أجنبية قد يخلق "مخاطر تشغيلية" في حال تعارضت مصالح المملكة المتحدة مع سياسات الدول المصدّرة لهؤلاء الجنود.

إلا أن الضرورات العسكرية تبدو قد فرضت التنازل عن هذه الاعتبارات لصالح الحفاظ على الجاهزية العملياتية وتعويض النزيف البشري الناتج عن عزوف المواطنين البريطانيين عن الانخراط في صفوف الجيش.

وتسعى القيادة العسكرية البريطانية إلى تجديد العقيدة القتالية للقوات المسلحة عبر إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز استخدام الطائرات المسيّرة، والمركبات ذاتية القيادة، ما دفع بعض المراقبين إلى التساؤل عن مدى الحاجة الفعلية لمجندين بشريين في ظل هذا التوجه.

لكن المسؤولين العسكريين يؤكدون، أن التكنولوجيا، مهما تطورت، ما تزال بحاجة إلى من يُشغّلها ويضمن فاعليتها على الأرض.

*تعاون تاريخي*


ولم يكن هذا التوجه نحو الاستعانة بأبناء الكومنولث جديدًا تمامًا، فمنذ عقود طويلة، شكل هؤلاء جزءًا لا يتجزأ من الجيش البريطاني، وخاضوا معه حروبًا في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

 غير أن الجديد اليوم هو حجم الاعتماد عليهم في لحظة حرجة يواجه فيها الجيش أزمة مزدوجة: نقص في الموارد البشرية وتضخم في التحديات الأمنية.

من جهة أخرى، يثير هذا الاتجاه تساؤلات سياسية حول العلاقة بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة.

هل يعكس ذلك استمرارًا ضمنيًا لهيمنة ما بعد استعمارية، أم أنه يندرج ضمن شراكة عسكرية بين دول تربطها مصالح متقاطعة، وفي كلا الحالين، لا يبدو أن القيادة البريطانية في وارد التراجع عن هذه الاستراتيجية، على الأقل في المدى القريب.

وفيما ينتظر أن يُعلَن رسميًا عن هذه الخطوة خلال أيام، تبقى الأنظار شاخصة نحو مدى استجابة الدول الأعضاء في الكومنولث، والكيفية التي ستتعامل بها شعوبها مع هذا الدور الجديد، الذي يعيدهم إلى ساحة معركة لطالما شاركوا فيها – لكن هذه المرة تحت شعار الضرورة وليس الولاء.