رامافوزا يواجه الكمين الأبيض.. رئيس جنوب إفريقيا ينجو من فخ ترامب 

رامافوزا يواجه الكمين الأبيض.. رئيس جنوب إفريقيا ينجو من فخ ترامب 

رامافوزا يواجه الكمين الأبيض.. رئيس جنوب إفريقيا ينجو من فخ ترامب 
رامافوزا وترامب

في مشهد جديد من مشاهد دبلوماسيته الغريبة والمشحونة بالتحامل العرقي، نصب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فخًا مدروسًا لنظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا خلال زيارته إلى البيت الأبيض، حيث واجهه بمزاعم مشبوهة حول ما سماه "إبادة جماعية للبيض" في جنوب أفريقيا، في مشهد أعاد للأذهان أسلوب ترامب الاستفزازي المألوف الذي يجمع بين الشعبوية الفجة ونظريات المؤامرة العنصرية.

كمين ترامب


وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن ترامب من المعروف عنه الفظاظة والعداء للأقليات، لم يكن بحاجة لمزيد من الشواهد، إلا أن تحوّله هذه المرة إلى ما يشبه "البوير الفخري" في تعامله مع جنوب أفريقيا أثار صدمة إضافية، فالرجل الذي سبق أن واجه اتهامات بالتمييز ضد السود في قطاع الإسكان، ودعا إلى إعدام شبان "السنترال بارك فايف"، وروّج لأكذوبة أن أوباما وُلد في كينيا، ووصف هاييتي ودول أفريقيا بـ"الحثالة"، ها هو الآن يتبنى خطابًا صريحًا مؤيدًا للبيض في جنوب أفريقيا، في تجاهل تام لتعقيدات الواقع الجنوب أفريقي.

المكتب البيضاوي يتحول فخ


وتابعت الصحيفة، أنه داخل المكتب البيضاوي المزين بالذهب والمبالغة، وبعد 20 دقيقة من المجاملات العامة، بدأ ترامب يكشف عن نواياه الحقيقية.

 ما إن ألمح رامافوزا إلى أهمية الاستماع لتجارب الجنوب أفريقيين من مختلف الخلفيات لفهم الوضع الحقيقي، حتى أمر ترامب موظفيه بتعتيم الإضاءة وتشغيل شاشة عرض كبيرة، كما لو كان أحد أشرار أفلام جيمس بوند يستعد لكشف خطته التدميرية.

بدأ العرض بفيديو يضم مشاهد لزعيمي المعارضة الجنوب أفريقية جاكوب زوما ويوليوس ماليما وهما يغنيان أهازيج من زمن الفصل العنصري تدعو للعنف ضد "البوير"، وهو المصطلح الذي يشير إلى المزارعين البيض من أصول أفريكانية.

 تلت ذلك لقطات التقطتها طائرات دون طيار لما قيل إنها قبور جماعية للأفريقانيين، مغطاة بصلبان بيضاء.

 ثم رفع ترامب مجموعة من القصاصات الصحفية عن جرائم قتل في جنوب أفريقيا، مرددًا بصوت منخفض ومتشائم: "موت، موت، موت رهيب". 


وبين الرجلين، كان تمثال نصفي لوينستون تشرشل، الذي غطّى حرب البوير كصحفي وسُجن في بريتوريا، حاضرًا كرمز تاريخي غير بريء.

رامافوزا يكتشف أنه وقع في فخ شبيه بمصيدة زيلينسكي
مع مرور اللحظات، أدرك رامافوزا أنه وقع ضحية لأسلوب ترامب المعروف بالمباغتة الدبلوماسية، كما حدث من قبل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حين استُخدم نائب الرئيس جيه دي فانس لمضايقته. 

هذه المرة، جلس فانس بصمت، مرتديًا ربطة عنق حمراء مبالغ في طولها، ومتخذًا وضعية الانقضاض.

بجواره على الأريكة، جلس وزير الدفاع بيت هيغسيث بملامح مشوشة، ووزير التجارة هاورد لوتنيك بابتسامة متغطرسة، بينما وقف خلفهم الملياردير الجنوب أفريقي المولد إيلون ماسك، تتراوح ملامحه بين الضجر والازدراء.

لكن رامافوزا، الذي عايش أهوال نظام الفصل العنصري منذ الطفولة ونشأ في منزل متواضع لشرطي وعاملة منزلية، لم يكن ليُرهب من استعراضات ترامب، الرجل الذي سُجن في زنزانة انفرادية لمدة 11 شهرًا بسبب قيادته احتجاجًا طلابيًا، وأسس نقابة وطنية لعمال المناجم، وكان أحد أقرب مساعدي نيلسون مانديلا في الكفاح التحرري، يعرف تمامًا كيف يتعامل مع مثل هذه اللحظات.

بهدوء مدروس، حاول رامافوزا تهدئة الأجواء، مشيدًا بقوة الاقتصاد الأمريكي مقارنة بما وصفه بـ"الاقتصاد الصغير" لبلاده، في لفتة مدروسة لتقليل التوتر، لكنه لم يتنازل عن كرامته.

حين قال ترامب، في إشارة إلى الفصل العنصري: "الآن سأقول: الفصل العنصري كان فظيعًا، لقد كان التهديد الأكبر. كان يتم الحديث عنه دائمًا، ما يحدث الآن يشبه عكس الفصل العنصري"، لم يكن ذلك سوى تشويه فجّ للواقع.

كمين رامافوزا الناعم


رامافوزا لم يأتِ إلى واشنطن خالي الوفاض، بل استعد على طريقته. وبينما كان السياسي البريطاني كير ستارمر قد قدّم دعوة للقاء الملك، اختار رامافوزا ما يعلم أن ترامب لا يستطيع مقاومته: الغولف.

أهداه كتابًا فخمًا عن ملاعب الغولف في جنوب أفريقيا، وجلب معه "كتيبة بيضاء" تشمل وزير الزراعة جون ستينهويزن ولاعبي الغولف الشهيرين إيرني إيلز وريتييف غوسن.

كما حضر الاجتماع أغنى رجال جنوب أفريقيا، قطب السلع الفاخرة يوهان روبرت، الذي تحدث بأسلوب يزاوج بين "تفسير الواقع للبيض" و"شرح الثروة"، وهما لغتان يجيد ترامب فهمهما جيدًا. 

قال روبرت: "لدينا العديد من حالات القتل، لكنها تشمل الجميع، وليس فقط المزارعين البيض"، مضيفًا أن بلاده بحاجة للتقنيات التي توفرها شركة ستارلينك التابعة لماسك، ولم ينسَ روبرت أن يربط الحديث بعالم ترامب الشخصي، بالإشارة إلى مدى إعجاب زوجته بكتاب جيه دي فانس "مرثية الهيلبيلي".

ترامب يتراجع ويصب غضبه على الصحفيين

بعد أن فشل في إخضاع رامافوزا بخطابه المسموم، أفرغ ترامب غضبه على الصحفي بيتر ألكسندر من شبكة NBC، ووصفه بـ"الأحمق" لمجرد سؤاله عن خطته لقبول طائرة بقيمة 400 مليون دولار من قطر.

سأل ترامب بتحدٍ: "لماذا قد تقدم دولة طائرة لسلاح الجو الأمريكي؟ حتى يساعدونا، لأننا بحاجة إلى طائرة رئاسية. وهذا الأحمق يتحدث عن ذلك بينما نعرض شيئًا مات فيه الآلاف".

حينها قاطعه رامافوزا ممازحًا: "عذرًا، ليس لدي طائرة أقدمها لك"، فأجابه ترامب وهو يشير إلى نموذج طائرة على الطاولة: "أتمنى لو كان لديك. كنت سأقبل بها. لو أن بلدك عرض طائرة على سلاح الجو الأمريكي، كنت سأأخذها". ورد رامافوزا بابتسامة مريرة: "حسنًا"، محاولاً الحفاظ على رباطة جأشه.