ديربي الدم والنار في طرابلس.. مباراة تتحول إلى ساحة اشتباك وحرب بيانات
ديربي الدم والنار في طرابلس.. مباراة تتحول إلى ساحة اشتباك وحرب بيانات

لم تكن مباراة الأهلي والاتحاد في طرابلس مجرّد مواجهة كروية معتادة ضمن الدوري الليبي، بل تحوّلت إلى ساحة عنف تعكس حجم الاحتقان الذي يتجاوز حدود المستطيل الأخضر، دقائق معدودة فقط من الشوط الأول كانت كافية لتشتعل المدرجات وتندلع الفوضى، بعدما أشعل هدف أول في شباك الأهلي فتيل اشتباكات عنيفة بين الجماهير ولاعبي الفريقين، لتتوقف المباراة وسط صدمة الجميع، ما جرى في ديربي العاصمة لم يكن مجرد انفعال جماهيري عابر، بل سلسلة من التجاوزات الخطيرة، كان أبرزها اقتحام الملعب، واستخدام القوة المفرطة، واحتراق حافلة فريق، وإصابة الحكم، وصولًا إلى تبادل الاتهامات بين الناديين في بيانات رسمية متوترة.
وبينما تتجه الأنظار إلى الاتحاد الليبي لكرة القدم لحسم مصير المباراة، تتعالى الأصوات المطالبة بالتحقيق وكشف المسؤولين عن هذه الفوضى التي كشفت هشاشة المنظومة الرياضية، وربما أكثر من ذلك: هشاشة الوضع الأمني والاجتماعي في ليبيا.
*تجاوزات خطيرة*
تحولت مباراة القمة الليبية المرتقبة بين الأهلي طرابلس وغريمه الاتحاد إلى مشهد صاخب من العنف والفوضى، في واحدة من أكثر الليالي الكروية سخونة في تاريخ كرة القدم الليبية الحديث.
ما كان يُنتظر أن يكون عرسًا رياضيًا، انتهى بصورة فوضوية شهدت اقتحام ملعب، وحرائق، وإصابات، وسجالاً سياسيًا وإعلاميًا حادًا.
المباراة التي أقيمت مساء الأربعاء، لم تستكمل سوى 39 دقيقة فقط، قبل أن يقرر الحكم البرتغالي فابيو خوسيه كوستا إيقافها بسبب الاشتباكات التي اندلعت عقب تسجيل الاتحاد هدف التقدم.
*ذخيرة حية*
الهدف الذي سجله اللاعب نوفل الزرهوني أشعل فتيل الأزمة، بعدما اعتبره بعض لاعبي الأهلي استفزازًا متعمدًا، خاصة في طريقة احتفاله أمام مقاعد بدلاء الفريق المنافس.
ردة الفعل جاءت صاخبة وسريعة: لاعبو الأهلي البدلاء وبعض أفراد الجهاز الفني اجتاحوا أرضية الملعب، تبعهم عدد من الجماهير الغاضبة، لتتحول المباراة إلى ساحة مواجهات، وتتدخل قوات الأمن التي استخدمت، وفق بيان رسمي من نادي الأهلي، "الذخيرة الحية" لتفريق المشجعين.
*مشاهد مروعة*
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مروّعة من داخل ملعب المباراة، تُظهر عمليات كر وفر، ودخانًا متصاعدًا في المدرجات، فيما أكد الاتحاد الرياضي -في بيان له- أن حافلة فريقه قد أُحرقت بالكامل خارج الملعب، رغم أنها كانت خالية من اللاعبين.
من جانبه، ألقى النادي الأهلي باللائمة على سلوك "استفزازي وغير رياضي" من بعض لاعبي الاتحاد، مشيرًا أن الهدف وما تبعه من احتفالات كانت مقصودة لإثارة الجماهير.
وحمّل الأهلي اللاعب نوفل الزرهوني مسؤولية التوتر، مطالبًا بفتح تحقيق عاجل من قبل النيابة العامة في ملابسات ما حدث، لا سيما "الاستخدام المفرط للقوة ضد جماهير النادي"، على حد وصفه.
*تحقيقات أمنية*
في المقابل، شدد الاتحاد -في بيانه- على أن لاعبيه لم يخرجوا عن الروح الرياضية، واعتبر أن الاعتداء على الحافلة يعد "عملًا إجراميًا" يستهدف ترويع اللاعبين وتهديد سلامة عناصر الفريق.
ودعا بدوره إلى فتح تحقيق مستقل وشامل في الأحداث، بما يضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات مستقبلاً.
أما الحكم البرتغالي فابيو خوسيه كوستا، فذكرت تقارير إعلامية، أنه تعرض لإصابة طفيفة خلال الفوضى، دون تحديد دقيق لطبيعتها، في حين لم يصدر عن لجنة الحكام أي بيان توضيحي حتى الآن.
الاتحاد الليبي لكرة القدم لم يحسم بعد مصير المباراة، واكتفى بإعلان تعليق اللقاء إلى حين الانتهاء من التحقيقات وجمع التقارير الأمنية والفنية.
غير أن مصادر مقربة من الاتحاد أشارت أن العقوبات ستكون قاسية، وقد تشمل شطب نتائج المباراة، وفرض غرامات، وربما منع جماهير من الحضور في المواجهات القادمة.
ورغم أن العنف في الملاعب ليس ظاهرة جديدة على الكرة الليبية، إلا أن أحداث هذا الديربي تحديدًا جاءت في سياق بالغ الحساسية، يعكس حجم التوتر في العاصمة، حيث تمتزج الرياضة بالسياسة والانتماءات الاجتماعية، في مشهد معقّد يُصعّب من مهمة ضبط الإيقاع الجماهيري.
جدير بالذكر، أن ناديي الأهلي والاتحاد لا يمثلان فقط أندية رياضية، بل يحملان إرثًا من التنافس السياسي والشعبي، ففي بلد ما يزال يعاني من الانقسام الأمني والمؤسساتي، تتحوّل الملاعب أحيانًا إلى مرآة حادة لانقسامات أعمق، تتخطى حدود المستطيل الأخضر.