البيت الأبيض وملياردير الفضاء.. قصة الصلح الحذر بين ترامب وماسك
البيت الأبيض وملياردير الفضاء.. قصة الصلح الحذر بين ترامب وماسك

في مشهد يعكس عمق التداخل بين المال والسلطة في السياسة الأميركية، هدأت عاصفة التوتر بين الملياردير إيلون ماسك والرئيس دونالد ترامب بعد سلسلة من الاتهامات العلنية والتغريدات اللاذعة، ما بدا وكأنه قطيعة نهائية بين الرجلين تحوّل- في الكواليس- إلى محاولة مدروسة لترميم العلاقة التي تتجاوز الطابع الشخصي إلى حسابات استراتيجية دقيقة.
فالملياردير، الذي انتقد مشروع ترامب الاقتصادي بعنف واتهمه بالتورط في ملفات مشبوهة، عاد ليعرب عن "ندمه" بشكل علني، عقب مكالمة هاتفية رتبتها السيدة المخضرمة سوزي وايلز، حاملة المفاتيح السرية في معسكر ترامب، خلف الأبواب المغلقة، دارت مفاوضات بين الولاء والمصالح، انتهت بتصريحات تهدئة من البيت الأبيض وقبول رئاسي مشروط، هذه القصة ليست فقط عن اعتذار أو خلاف عابر، بل عن التقاطع الحاسم بين القوة الاقتصادية والخطط السياسية، حيث لا يُسمح بتصدعات طويلة في جسور المصالح.
خلف التوتر.. مصالح على المحك
لم تكن التغريدة التي نشرها إيلون ماسك حول "ندمه" تجاه الرئيس ترامب حدثًا عابرًا في الفضاء الرقمي، بل جاءت تتويجًا لسلسلة من التحركات خلف الكواليس.
وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لموقع "أكسيوس"، بدأت بوادر التهدئة في مكالمة هاتفية جرت يوم الجمعة الماضي بين "ماسك" و"سوزي وايلز"، رئيسة موظفي حملة ترامب، قبل أن ينضم إليها جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي وشخصية تربطها علاقة وثيقة بماسك.
سبب هذه المكالمة لا يخفى على من يراقب العلاقة المركّبة بين الطرفين.
فبينما ينتقد "ماسك" مشروع ترامب للضرائب والميزانية، المعروف بـ"الفاتورة الجميلة"، باعتباره عبئًا يهدد التوازن المالي للبلاد، يعلم في قرارة نفسه، أن استمرار الصراع قد يكلفه عقودًا فيدرالية ضخمة لصالح شركاته، خصوصًا "سبيس إكس".
من جهته، يدرك ترامب أن ماسك يُعد أحد أكبر الداعمين الماليين للجمهوريين في معركة انتخابات 2024، ما يجعل من تهدئة الأمور أولوية لا يمكن تجاهلها.
تغريدات نادمة وصمت متبادل
لم يحدد ماسك علنًا أي التغريدات يقصد بـ"الندم"، لكن متابعيه يعرفون جيدًا أنه لم يتردد مؤخرًا في التلميح إلى ملفات حساسة، من بينها ارتباط ترامب المزعوم بجيفري إبستين، والدعوة لعزله بسبب ما وصفه بالفساد السياسي.
هذا التصعيد لم يمر مرور الكرام، إذ رد ترامب بتهديدات غير مباشرة بقطع علاقات الحكومة مع شركات ماسك، رغم أن مقربين منه أكدوا أن "الشعور بالخيانة" كان أقوى من الغضب.
البيت الأبيض التزم الصمت في البداية، وكذلك ممثلو ماسك، بينما كانت التحركات تتم خلف الستار.
ووفقًا للمصادر ذاتها، كان فانس حاسمًا في إقناع ماسك بضرورة التراجع والاعتذار، معتبرًا أن "الوقت ليس مناسبًا لتفجير الجسور".
الرئيس يصفح.. ولكن بشروط
جاء الرد العلني من المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، التي قالت: إن الرئيس ترامب "يقدّر اعتذار ماسك"، نافية وجود أي نية لإعادة النظر في العقود الحكومية المبرمة مع شركاته، هذه اللهجة الهادئة عكست نية ضمنية بتجميد الخلاف، دون نسيانه.
في الوقت نفسه، استغل ترامب الحلقة الأولى من بودكاست "Pod Force One" مع الصحفية ميرندا ديفاين ليعلّق على الاعتذار قائلًا: "تفاجأت بما حدث، لكنني لا ألومه.. ربما شعر بالندم، وهذا تصرف لطيف".
رغم ذلك، لم يُخفِ الرئيس شعورًا بالخيبة، خصوصًا بعد انتقادات ماسك لمشروع "الصفقة الأميركية الكبرى"، الذي اعتبره ماسك "مشينًا ومليئًا بالهدر".
سوزي وايلز.. المهندسة الصامتة للمصالحة
وراء هذا الترتيب الدقيق، تبرز شخصية سوزي وايلز، السيدة التي يُطلق عليها ترامب "عذراء الجليد"، نظرًا لبرود أعصابها وصلابة شخصيتها.
بخبرة تمتد منذ سبعينيات القرن الماضي، شقت "وايلز" طريقها من مكاتب الكونغرس في واشنطن إلى الحملات الانتخابية في فلوريدا، حتى أصبحت واحدة من أكثر الشخصيات نفوذًا في حملة ترامب.
ساهمت وايلز في إيصال ريك سكوت إلى منصب الحاكم، ثم ساندت ترامب في انتخابات 2016 و2020، وها هي الآن تدير حملته الثالثة بمزيج من الحزم والحنكة.
وعلى الرغم من خلافها الشهير مع حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، فإنها أثبتت مجددًا أنها الرقم الصعب الذي يُعيد ترتيب الصفوف حينما تحتدم الأزمات.
بين الولاء والمصلحة.. هل تعود العلاقة كما كانت؟
رغم التهدئة، لا يبدو أن العلاقة ستعود إلى سابق عهدها بسهولة، فترامب، الذي قال إنه لم يفكر كثيرًا في ماسك مؤخرًا، بدا حذرًا في منح الغفران الكامل، أما ماسك، فقدّم تنازلًا لفظيًا من دون أي ضمانات بأن التوتر لن يتجدد مستقبلاً، خصوصًا في ظل حساسية المرحلة الانتخابية وتقلّب المواقف في واشنطن.
لكن المؤكد أن هذه المصالحة المؤقتة وُلدت من رحم الضرورة، لأن الطرفين، كلٌّ لأسبابه، لا يستطيعان خسارة الآخر بالكامل في هذه اللحظة السياسية الحرجة.