واشنطن ترفع سقف المواجهة.. كيف تخطط أمريكا لتفكيك نفوذ الإخوان؟
واشنطن ترفع سقف المواجهة.. كيف تخطط أمريكا لتفكيك نفوذ الإخوان؟
تشهد السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط مرحلة تحوّل دقيقة تعكس رغبة متنامية في إعادة ضبط ميزان القوى الإقليمي والتعامل مع الفاعلين غير الحكوميين بمنهج أكثر صرامة وانضباطًا، في قلب هذا التحوّل، تبرز الخطوات الأمريكية الأخيرة تجاه جماعة الإخوان كإشارة واضحة إلى أن واشنطن تسعى لتجاوز المقاربة التقليدية التي ميّزت تعاملها مع الحركات الإسلامية خلال العقدين الماضيين، فبعد سنوات من الجدل حول طبيعة الجماعة وتأثيرها في استقرار المنطقة، يبدو أن الإدارة الأمريكية تتجه اليوم إلى تشديد الخناق على امتداداتها وشبكاتها التي تنشط عبر الشرق الأوسط وأوروبا، التحركات الجديدة لا تتعلق فقط باعتبارات أمنية، بل تُعبّر عن رؤية إستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تعريف من يملك حق التأثير في المشهد السياسي الإقليمي.
تضييق الخناق على الإخوان
تتسارع الخطوات الأمريكية الرامية إلى تضييق مساحة الحركة أمام جماعة الإخوان في الشرق الأوسط في ظل مقاربة جديدة ترى في الجماعة شبكة معقدة ذات امتدادات سياسية وأمنية، وليست مجرد تنظيم ديني أو حركة اجتماعية.
وترى دوائر القرار في واشنطن، أن التعامل مع هذا التشعب يقتضي إعادة صياغة هيكل السياسة الخارجية بما يتناسب مع واقع جديد باتت فيه التنظيمات العابرة للحدود تمثل تحديًا لمفهوم الدولة التقليدية، وتؤثر في الاستقرار الإقليمي بطرق تتجاوز المواجهات العسكرية المباشرة.
وخلال سنوات حكمه الأولى، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، إلا أن البنية القانونية في الولايات المتحدة حالت دون تنفيذ القرار، خصوصًا مع وجود شبكات مدنية وإغاثية وإعلامية مرتبطة بالجماعة بطريقة يصعب إخضاعها لمعايير التصنيف المباشر.
لكن العودة إلى هذا المسار في الوقت الراهن تحمل دلالات تتجاوز حدود النقاش الأمني، إذ تُظهر رغبة أمريكية في إعادة ضبط قواعد اللعبة، وتبنّي نهج يتعامل مع الجماعة بوصفها عنصرًا مؤثرًا في خرائط النفوذ الإقليمية.
وبحسب تقارير إعلامية تركية، فإن واشنطن تذهب نحو رؤية ترى أن الحد من دور الإخوان جزء من عملية أوسع لإعادة تشكيل بنية الأمن الإقليمي، هذه الرؤية تستند إلى مقاربة تعتبر أن صعود الفاعلين غير الدوليين بعد عام 2011، وفي مقدمتهم الجماعات ذات الطابع الديني أو شبه العسكري، أدى إلى خلق منافذ سياسية موازية باتت تُضعف تأثير الدول، وتفتح الباب أمام تحولات مفاجئة يصعب ضبطها، وفقًا لتقرير صحيفة "تركيا توداي".
ومن هنا، يأتي الجهد الأمريكي لتقليص هذه المراكز البديلة وإعادة التموضع إلى جانب الحكومات المركزية المعترف بها، ويتجاوز النهج الأمريكي الجانب السياسي إلى بعد عملياتي متعدد المسارات، إذ يتكامل مع جهود سابقة لاحتواء فصائل مسلحة في سوريا، وفرض ضغوط مالية قاسية على حزب الله اللبناني، واستهداف الحوثيين في اليمن عبر مجموعة من العقوبات.
ويُنظر إلى هذه المسارات بوصفها جزءًا من رؤية واحدة تُلزم الفاعلين الإقليميين باعتماد نموذج أمني تُديره الدول، مع تقييد دور التنظيمات ذات البنية المرنة والتي نجحت خلال العقد الماضي في استغلال الفراغات الأمنية والسياسية لتعزيز نفوذها.
أذرع الإخوان
ولعل أبرز ما تركز عليه الخطوات الأمريكية هو توحيد النظرة تجاه أذرع الإخوان المختلفة، والتي تعمل في مناطق متعددة وبخطاب متباين، فبينما يظهر بعضها في صورة جمعيات مدنية أو منصات تعليمية في أوروبا، تتخذ أخرى طابعًا سياسيًا أو عسكريًا في الشرق الأوسط.
ورغم الاختلافات، ترى واشنطن أن هذه الشبكات تتقاطع عند نقطة واحدة: القدرة على التأثير في المجتمعات وتوجيه تيارات الرأي العام عبر خطاب أيديولوجي مشترك، ومن هذا المنطلق، فإن تحويل تلك الشبكات إلى "تهديد موحد" يسهل التعامل معها ضمن إطار قانوني واحد.
إخوان أوروبا الأكثر تأثرًا
من جانبه، يؤكد أستاذ العلوم السياسية د. طارق فهمي، أن القرار الأمريكي الأخير تجاه جماعة الإخوان لن يبقى محصورًا داخل حدود السياسة الداخلية لواشنطن، بل سيمتد وفق تقديره إلى سلسلة تداعيات أوسع في أوروبا والعالم، ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية، التي أعادت رسم أولوياتها الأمنية بعد تصاعد تهديدات التنظيمات العابرة للحدود، تحاول تصدير هذا التوجه إلى العواصم الأوروبية عبر آلية “التنسيق الأمني المشترك” ومجموعات العمل التي تشارك فيها أجهزة استخبارات غربية.
ويرى فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن أوروبا ستكون الساحة الأكثر تأثرًا، لأنها تواجه بالفعل ضغوطًا داخلية تتعلق بتوازن علاقتها مع الجاليات المسلمة من جهة، ومع الحكومات العربية الداعية لحظر الإخوان من جهة أخرى، ومع دخول الموقف الأمريكي على الخط، يتوقع فهمي أن تتجه بعض الدول، خصوصًا ألمانيا وفرنسا وهولندا، إلى رفع مستوى المراقبة على الجمعيات المرتبطة بالتنظيم، وربما إعادة تصنيفها ككيانات ذات “خطورة محتملة”، وهو ما سيحدّ من قدرتها على الحركة والتمويل والتجنيد.
أما دول الشرق الأوسط، فيرى فهمي، أن القرار الأمريكي يمنحها نافذة دبلوماسية جديدة لتعزيز مطالبها القديمة بضرورة كبح نفوذ الإخوان في الخارج، خصوصًا بعد ثبوت ارتباط شبكات التنظيم في أوروبا ببعض أنشطة غسل الأموال وتمويل جماعات مسلحة، ويخلص إلى أن المشهد الدولي يتجه نحو مرحلة تضييق غير مسبوقة على الجماعة، قد تؤدي إلى تقييد حضورها السياسي والإعلامي بشكل حاد خلال السنوات القادمة.

العرب مباشر
الكلمات