لبنان في 2025.. دولة تحاول النهوض فوق ركام الأزمات
لبنان في 2025.. دولة تحاول النهوض فوق ركام الأزمات
دخل لبنان عام 2025 مثقلاً بإرث ثقيل من الانهيارات السياسية والاقتصادية، لكنه حمل معه أيضًا مؤشرات على محاولة خجولة لإعادة تشغيل مؤسسات الدولة بعد سنوات من التعطيل والفراغ، بين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة طال انتظارها، وعودة الاستحقاقات الانتخابية المحلية إلى الواجهة، بدا العام وكأنه اختبار حقيقي لقدرة النظام السياسي اللبناني على التقاط أنفاسه من دون السقوط مجددًا في دوامة الشلل، غير أن هذه الخطوات، على أهميتها الرمزية، لم تكن كافية لتبديد القلق العميق الذي يرافق اللبنانيين، في ظل أزمة مالية خانقة، وانقسام حاد حول ملف السلاح خارج إطار الدولة، وتوترات أمنية متصاعدة على الحدود الجنوبية، هكذا، لم يكن 2025 عامًا للحلول الجذرية بقدر ما كان سنة إدارة الأزمات، ومحاولة ترميم الثقة المفقودة بين الدولة ومواطنيها، وبين لبنان ومحيطه الإقليمي والدولي.
عودة الرئاسة وتحريك عجلة المؤسسات
شكّل انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية في التاسع من يناير 2025 محطة مفصلية أنهت أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي، الذي انعكس شللًا شبه كامل في عمل المؤسسات الدستورية.
هذا الاستحقاق، الذي جاء نتيجة تسوية داخلية مدعومة بضغوط خارجية، فتح الباب أمام إعادة تفعيل الحياة السياسية، ولو بحدودها الدنيا.
وبسرعة لافتة، كلّف الرئيس الجديد نواف سلام، القاضي والدبلوماسي المخضرم، بتشكيل الحكومة، في إشارة إلى رغبة واضحة في إضفاء طابع إصلاحي وقانوني على المرحلة المقبلة.
نيل الحكومة ثقة البرلمان في فبراير أعاد بعض الانتظام إلى المشهد السياسي، لكنه لم يخفِ حجم التحديات المتراكمة، ولا هشاشة التوازنات التي قامت عليها هذه السلطة التنفيذية.
الانتخابات البلدية: نبض محلي بعد سنوات من الغياب
بعد سلسلة طويلة من التأجيلات، أعاد شهر مايو 2025 الاعتبار لصناديق الاقتراع على المستوى المحلي، مع إجراء الانتخابات البلدية لأول مرة منذ قرابة عشر سنوات، هذا الاستحقاق لم يكن مجرد حدث إداري، بل مثّل اختبارًا لمدى قدرة الدولة على تنظيم عملية ديمقراطية في ظل أزمة مالية خانقة وبنية تحتية متداعية.
وسجّل هذا الموعد الانتخابي ارتفاعًا ملحوظًا في مشاركة النساء، مع ترشح نحو ثلاثة آلاف امرأة، ما عكس تحولًا تدريجيًا في المزاج السياسي المحلي، ورغبة متزايدة في كسر احتكار النخب التقليدية للسلطة البلدية. ومع ذلك، بقيت النتائج محكومة بالاعتبارات العائلية والطائفية، ما حدّ من قدرة هذه الانتخابات على إحداث تغيير بنيوي واسع.
خطوات ضرورية بثمن اجتماعي مرتفع
على الصعيد الاقتصادي، حاولت الحكومة تسجيل اختراق في جدار الأزمة عبر إقرار قانون إصلاح القطاع المصرفي، الذي وُضع على مدى 39 مادة، بهدف إعادة تنظيم النظام المالي وحماية حقوق المودعين، ولو جزئيًا.
هذا القانون، الذي طال انتظاره، جاء استجابة لشروط دولية وضغوط من المؤسسات المالية، لكنه أثار في الوقت نفسه مخاوف من تحميل الخسائر للطبقات الوسطى والفقيرة.
ويأتي تعيين كريم سويد حاكمًا جديدًا لمصرف لبنان في السياق نفسه، كمحاولة لإعادة الاعتبار لدور المصرف المركزي بعد سنوات من فقدان الثقة. غير أن نجاح هذه الخطوات ظل مرهونًا بقدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات عمليًا، وليس الاكتفاء بإقرارها على الورق.
السيادة في مواجهة الانقسام الداخلي
أكثر ملفات 2025 حساسية تمثّل في إطلاق الحكومة مبادرة «درع الوطن» في سبتمبر/أيلول، الهادفة إلى حصر السلاح بيد الدولة على مراحل، تبدأ من الجنوب اللبناني.
المبادرة وُصفت من مؤيديها بأنها محاولة متأخرة لاستعادة مفهوم السيادة، فيما اعتبرها خصومها، وفي مقدمتهم حزب الله، استهدافًا مباشرًا لـ«معادلة الردع» القائمة مع إسرائيل.
هذا الانقسام أعاد إلى الواجهة السؤال القديم–الجديد حول طبيعة الدولة اللبنانية وحدود سلطتها، في ظل وجود قوة عسكرية خارج إطارها.
ومع أن الخطة لم تتجاوز بعد مراحلها الأولى، فإنها كشفت عمق التناقض بين مشروع الدولة المدنية وموازين القوى الفعلية على الأرض.
لبنان وسوريا.. براغماتية الضرورة
إقليميًا، شهد عام 2025 محاولات لإعادة ضبط العلاقة بين بيروت ودمشق، خصوصًا في ملفات الطاقة والتجارة والحدود. وجاء هذا الانفتاح في ظل تحولات إقليمية أوسع، ومحاولات لإعادة دمج سوريا تدريجيًا في محيطها العربي.
بالنسبة للبنان، بدا هذا المسار خيارًا تفرضه الضرورة الاقتصادية أكثر مما تحكمه قناعة سياسية، في ظل أزمة كهرباء خانقة وحاجة ملحة لفتح قنوات تجارية تخفف من الاختناق المالي.
رغم كل المساعي السياسية، بقيت الجبهة الجنوبية مصدر قلق دائم. التوتر مع إسرائيل لم يهدأ، والسيناريوهات المفتوحة على التصعيد العسكري ألقت بظلالها الثقيلة على الداخل اللبناني.
وبين دعوات تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والتمسك بخيارات الردع، وجد صانع القرار نفسه أمام معادلة معقدة: كيف يحمي الاستقرار الداخلي من دون تقديم تنازلات تمس السيادة أو تجر البلاد إلى حرب جديدة؟

العرب مباشر
الكلمات