كتائب حزب الله في العراق وحصر السلاح.. صدام مؤجل أم تسوية مستحيلة؟
كتائب حزب الله في العراق وحصر السلاح.. صدام مؤجل أم تسوية مستحيلة؟
يجد العراق نفسه مجددًا أمام معادلة معقدة تتقاطع فيها اعتبارات السيادة، وضغوط الداخل، وحسابات الإقليم والدول الكبرى، فمع كل حديث عن إعادة ضبط السلاح وحصره بيد الدولة، تعود إلى الواجهة أسئلة مؤجلة منذ سنوات: من يمتلك القرار الأمني، وأين تنتهي حدود الدولة وتبدأ مناطق نفوذ الفصائل المسلحة؟
وفي خضم شائعات عن ضربات عسكرية وشيكة وتحذيرات خارجية، سارعت المؤسسات الرسمية العراقية إلى نفي تلقي أي رسائل من هذا النوع، محاولة احتواء القلق العام ومنع الانزلاق إلى مناخ توتير جديد، غير أن النفي الرسمي لم ينجح في إخماد الجدل، خصوصًا مع إعلان كتائب حزب الله العراقية موقفًا صريحًا يرفض نزع سلاحها أو حصره بيد الدولة، في لحظة سياسية حساسة تتزامن مع ضغوط أميركية متصاعدة واستحقاق تشكيل حكومة جديدة، بين هذه العناوين المتداخلة، يقف العراق أمام اختبار جديد لقدرته على إعادة تعريف مفهوم الدولة وحدود سلطتها الفعلية.
قلق من ضربة عسكرية محتملة
أعاد نفي جهاز الاستخبارات الوطني العراقي، لما تردد عن تلقي الحكومة تحذيرات خارجية بشأن ضربة عسكرية محتملة داخل البلاد، تسليط الضوء على حالة القلق السياسي والأمني التي يعيشها العراق. البيان الرسمي، الذي صدر بعد منتصف ليل السبت، جاء بلغة حازمة، مؤكدًا أن بغداد لم تتلق أي رسائل من دولة عربية أو جهاز استخبارات غربي، وداعيًا وسائل الإعلام إلى التعامل بحذر مع القضايا المرتبطة بالأمن القومي. لكن خلف هذا النفي، تتكشف طبقات أعمق من الأزمة، تتجاوز مجرد شائعة إعلامية إلى صراع مستمر حول مستقبل السلاح غير الخاضع للدولة.
الحديث عن ضربات محتملة استهدف، بحسب ما تداولته وسائل إعلام محلية ودولية، مواقع يُشتبه بارتباطها بفصائل مسلحة ضمن الحشد الشعبي، إلى جانب شخصيات تتمتع بنفوذ عسكري ومالي، ومخازن للطائرات المسيّرة والصواريخ ومعسكرات تدريب.
ورغم غياب أي تأكيد رسمي، فإن تداول هذه السيناريوهات يعكس إدراكًا واسعًا لحساسية الملف، ولحجم الضغوط الخارجية، لا سيما الأميركية، الساعية إلى إعادة رسم المشهد الأمني العراقي.
حصر السلاح
في هذا السياق، جاء تصريح رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي أشار إلى موافقة قادة فصائل مسلحة على التعاون في ملف حصر السلاح بيد الدولة، ليعطي انطباعًا بوجود مسار تفاوضي هادئ يجري خلف الكواليس، غير أن هذا الانطباع لم يلبث أن اهتز مع بيان كتائب حزب الله العراقية، التي أعلنت بوضوح رفضها القاطع لأي حديث عن نزع سلاحها، مؤكدة أن هذا السلاح سيبقى بيد منتسبيها.
الكتائب ربطت موقفها بمفهوم السيادة، معتبرة أن ضبط الأمن ومنع التدخلات الخارجية يمثلان شرطًا مسبقًا قبل الخوض في مسألة حصر السلاح، هذا الطرح يعكس رؤية فصائلية تعتبر السلاح جزءًا من معادلة ردع لا يمكن التخلي عنها في ظل ما تصفه باستمرار التهديدات الخارجية، في المقابل، ترى أطراف سياسية وحكومية أن بقاء السلاح خارج إطار الدولة يضعف هيبتها، ويعقّد علاقاتها الدولية، ويحول دون بناء مؤسسات أمنية موحدة.
التصعيد اللفظي من جانب كتائب حزب الله لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع. فالعراق مقبل على مرحلة تشكيل حكومة جديدة، وهي مرحلة غالبًا ما تشهد اشتداد الضغوط الخارجية، خاصة من واشنطن، التي تضع ملف الميليشيات في صدارة شروطها للتعاون السياسي والاقتصادي.
وتشير تسريبات سياسية إلى أن الإدارة الأميركية تسعى إلى تقليص نفوذ الفصائل المسلحة داخل بنية الدولة، سواء عبر الضغط المالي أو من خلال إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية.
تجميد أموال
وفي موازاة ذلك، أعلنت بغداد تجميد أموال تعود لحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي، في خطوة فُسرت على أنها محاولة لطمأنة المجتمع الدولي، وإظهار التزام العراق بالقرارات المالية الدولية المتعلقة بمكافحة تمويل الجماعات المسلحة.
هذه الخطوة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، تحمل دلالات سياسية عميقة، وتكشف عن سعي الحكومة العراقية لتحقيق توازن دقيق بين متطلبات الشركاء الدوليين وضغوط القوى الداخلية المتحالفة مع الفصائل.
الملف الأمني العراقي، إذًا، لم يعد شأنًا داخليًا صرفًا، بل بات عقدة تتشابك فيها مصالح إقليمية ودولية. فكل تحرك حكومي نحو حصر السلاح يواجه بحسابات داخلية معقدة، وكل تراجع يفسَّر خارجيًا على أنه عجز عن فرض سلطة الدولة.
وبين هذا وذاك، يجد المواطن العراقي نفسه أسير حالة عدم يقين، حيث تتكرر الأزمات دون حسم، وتتجدد الأسئلة حول مستقبل الاستقرار والسيادة.
في المحصلة، يكشف الجدل الدائر اليوم عن حقيقة ثابتة: العراق لا يواجه أزمة سلاح فقط، بل أزمة تعريف للدولة نفسها. فإما أن ينجح في تحويل شعار “حصر السلاح بيد الدولة” إلى مسار عملي توافقي، أو يبقى هذا الشعار مجرد عنوان مؤجل، يعود إلى الواجهة مع كل استحقاق سياسي أو تصعيد إقليمي.
وما بين النفي الرسمي والتصعيد الفصائلي، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة، لا تخلو من المخاطر.

العرب مباشر
الكلمات