الخادمات في المغرب... حائرات بين «القهر» و«ارتكابهن للجرائم»

الخادمات في المغرب... حائرات بين «القهر» و«ارتكابهن للجرائم»

الخادمات في المغرب... حائرات بين «القهر» و«ارتكابهن للجرائم»
صورة أرشيفية

فقر وشقاء وبؤس تعيشه الخادمات في دولة المغرب في معظم الأوقات، حياة الشقاء بدأت مبكرًا بالنسبة لهن، بعضهن بدأن العمل صغيرات لا تتجاوز أعمارهن الـ 12 عامًا، أغلبهن لم يعرفن معنى الطفولة أو المدارس أو الرعاية، كل ما تعلمنه ضرورة العمل والانصياع لأوامر سادتهن حتى لا يتعرضن للعقاب القاسي من الأهل، لا يملكن القدرة على الاختيار، فكل ما يصدر إليهن من أوامر يجب تنفيذه على الفور، كلٌّ منهن تبدأ حياتها بمقامرة، فإذا كان حظهن حسناً، أوقعهن في عائلة تتعامل بإنسانية ورحمة، ولو كان عكس هذا تصبح حياتهن جحيماً.

ممنوع  الإجازات

تقول خديجة محمد، (22 سنة): ولدت في قرية صغيرة شديدة الفقر، وانتقلت إلى الرباط مع بلوغي سن الثانية عشرة لأعمل خادمة في بيوت عائلة من الأثرياء، تعودت طاعة الأوامر، وأدركت أننا لسنا جميعًا بشراً، فهم من طينة غير طينتنا، فمن حقهم أن يأمروا فقط، ونحن علينا الطاعة والتنفيذ دون تذمر، وحتى في لحظات مرضي، لا أستطيع أن أخبر سادتي أني مريضة لأنهم لا يتسامحون في ذلك ويهددوني بالطرد على الفور، وتقول سيدتي: "هل تريدين أن تنامي في فراشك وأسهر أنا على راحتك"، هل سأعطيكي أموالًا وأعمل خادمة لك في الوقت نفسه"، إذا لم تستطيعي القيام بمهام وظيفتك فلتتركيها على الفور".

وتابعت خديجة، نعم حُرمت من أمي وأبي وإخوتي وكأني يتيمة بلا أهل، فلا أراهم إلا كل بضع سنوات، فحتى عندما يسافر سادتي لأوروبا أو أي مدينة ساحلية يأخذوني لأقوم بخدمتهم، وعندما أطلب إجازة، يخبرونني أنني بهذا أوقع استقالتي، ويخبرونني أنهم لن يعملوا على تنظيف المسكن لأتمتع أنا بالإجازة والراحة.
 
إهانات الأهل أشد قسوة من واقعهن 

في السياق ذاته تقول، سكينة همام، (24 عامًا): ولدت لأسرة مات عائلها، ولم تجد أمي وسيلة سوى أن تجعلني خادمة في بيوت الأثرياء حتى تستطيع تربية إخوتي، ومن عمر 11 سنة بدأت عملي في بيت رجل وسيدة من طبقة الأثرياء في المجتمع، وبقيت في خدمتهم 7 أعوام وعندما بلغت الثامنة عشرة، ومع تزايُد الإهانات تركت العمل، وذهبت لأمي التي لم أرها إلا 3 مرات منذ أن تركتني للعمل، فوجئت أن معاملتي في بيت أمي تفوق قسوة من كنت أعمل لديهم، فأمي وأشقائي غاضبون لأن الأموال انقطعت، وزادت الأفواه المفتوحة التي تحتاج للطعام، وتناسى الجميع أنني كنت من أطعم تلك الأفواه لمدة 7 سنوات متتالية دون راحة.
وأضافت سكينة، عدت للعمل بعد شهر واحد من المكوث في بيت أمي، لأبدأ التنقل من بيت لآخر، لا أستطيع أن أقول إن كل العائلات التي عملت لديهم سيئون فأحيانًا أجد المعاملة الحسنة وأشعر بالفعل وكأنني واحدة من الأسرة التي أعمل لديها، وهذا ما هون علي بعض الشيء ما واجهته من إهانات لا يتحملها بشر".
 
عقاب مستمر 
تقول مها عنتر، خادمة، (19 عام): أعمل منذ أن بلغت الرابعة عشرة، ولكن خلال الأربع سنوات رأيت ما يمكن أن يراه أي شخص من معاناة في 20 عامًا، كنت محظوظة في البداية لأنني عملت في منزل تسكنه أسرة طيبة للغاية، لدرجة أنهم فعلوا معي ما لم يفعله أهلي، فقاموا بتعليمي القراءة والكتابة، وعلمتني سيدتي أصول الطبخ وكان زوجها يعلمني العمل على جهاز الكمبيوتر ويخبرني أنني لن أظل خادمة طوال العمر ويجب أن أكتسب مهارات متعددة حتى أحصل على عمل مناسب، ولم يستمر الأمر طويلًا فسافرت الأسرة إلى أوروبا بعد عامين من العمل عندهم، وانتقلت أنا للعمل في بيت آخر.

مها، أكدت أنها أدركت أن العقاب يطالها دائمًا حتى إذا لم تكن مذنبة، فتقول، في أحد المنازل التي انتقلت للعمل بها كانت سيدتي تعاملني برفق، ولكن وقتها كان عمري 18 عامًا، وأنا أتميز ببعض الجمال، وأثناء تنظيفي لإحدى الغرف، دخل عليّ الابن وكان في العشرين من عمره، وحاول اغتصابي، لأصرخ مستنجدة ويأتي أبوه وأمه وينقذونني منه، ويصفعه والده بشدة أمامي، ثم جاءت سيدتي بمبلغ من المال وقالت لي لن نستطيع طرد ابننا ولا السيطرة على رغباته فهو شاب، وطلبت مني مغادرة المنزل على الفور، وقتها أدركت أنني في كل الحالات سأتلقى العقاب سواء أذنبت أم لا.
 
صورة خاطئة عن الخادمات 


على الجانب الآخر، تقول عزيزة جبران، سيدة أعمال، القسوة ضرورة مع تلك الطبقة، فعمل عندي أكثر من 20 خادمة، أكثر من ثلاثة أرباعهن لصوص، ويستغللن غفلة أصحاب المنزل ليسرقن ما خف وزنه وغلا ثمنه، فمعظمهن تربى في بيئة متدنية تنتشر فيها الجريمة وانعدام الأخلاق، ولذلك أفضل البنات الصغيرات للغاية لأقوم بتربيتهن منذ صغرهن ولكن مع وصول أبنائي لسن المراهقة أصبحت مضطرة للمجيء بسيدات كبار في السن حفاظًا على أبنائي.


وتتابع، السينما والتلفزيون دائمًا ما يصوران الخادمة على أنها مقهورة، وأن ربة المنزل سيدة غليظة القلب وشريرة، وهذا تعميم ليس صحيحا، فإحدى الخادمات كانت تترك ابني دون طعام، ولا تعتني بنظافته الشخصية وهذا من صميم عملها، حتى أصيب جلده بالتهابات شديدة، وعندما لفت انتباهها لضرورة الاهتمام بعملها، وجدت في اليوم التالي آثار ضرب على جسد ابني، فطالبني زوجي بإبلاغ الشرطة ولكني اكتفيت بطردها.
 
برنامج لمحاربة تشغيل الأطفال

في النهاية، لا يمر شهر واحد في المغرب إلا وتقع حوادث متعلقة بالخادمات، فكم من ربة بيت عذبت خادمتها وكم من خادمة سرقت وعذبت أطفال مخدوميها، هذه الحوادث دفعت المغرب إلى التفكير في إعداد برنامج لمحاربة تشغيل الطفلات الخادمات ''إنقاذ'' يدعو إلى توفير شروط إعادة إدماجهن، من خلال استحداث قانون ينظم تشغيل الأطفال وتقديمه إلى البرلمان وإحداث ميكانيزمات لتطبيق قانون إجبارية التعليم، وتفعيل الفصل الخاص بالحد الأدنى لسن تشغيل الأطفال في مدونة الشغل (الفصل 143)، وكذا بث برامج التوعية بخطورة تشغيل الأطفال.

ومن أهم النقاط التي تضمنها المشروع: التعريف بخادم البيت وتحديد سن التشغيل (15 سنة) وخضوع خدم البيوت للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وتحديد الأجر والعطلة السنوية ووسائل التنفيذ.

يأتي هذا المشروع خاصة في ظل وجود تقارير في الموضوع من قبل جمعيات وطنية ودولية وآخرها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية الذي أورد شهادات لخادمات منازل من الطفلات حالياً وسابقاً أوضحن فيها تعرضهن لإساءات بدنية وشفهية متكررة إلى جانب الحرمان من التعليم ومن الطعام الملائم والرعاية الصحية وأيضا التحرش الجنسي، كما بينت الشهادات أن بعض الخادمات يجبرن على العمل ضد إرادتهن عبر استخدام الضرب أو حبسهن في المنازل أو حرمانهن من المقابل المادي.