كيف قتلت الأزمة الاقتصادية في لبنان النساء على أيدي شركائهن؟

قتلت الأزمة الاقتصادية في لبنان النساء على أيدي شركائهن

كيف قتلت الأزمة الاقتصادية في لبنان النساء على أيدي شركائهن؟
صورة أرشيفية

قالت صحيفة "الغارديان": إنه في خضم الأزمة الاقتصادية وثقافة "الرجولة العسكرية"، يتزايد العنف المنزلي في الأسر اللبنانية ومجتمع اللاجئين السوريين، مخلفاً عدداً كبيرا من الضحايا من النساء. 

قصة مقتل هناء حرقاً

تروي الصحيفة قصة مقتل هناء خضر على يد زوجها: 
"لم يتبق سوى القليل من هناء خضر في شقة الطابق الأرضي المظلمة حيث عاشت من سن التاسعة، موقد صغير لصنع القهوة أعطته لزوجة والدها لعيد الأم، صور لها وهي تبتسم في الكاميرا تعيش فقط على هواتف العائلة". 

تتذكر زوجة أبيها أنه في المرة الأخيرة التي جاءت فيها للزيارة، صنعت الفتاة البالغة من العمر 21 عاما الكريب وأعدت قهوة الصباح، اشتكت من التعب لكنها كانت حاملا في شهرها الثالث في حرارة الصيف اللبناني الشديدة، لذلك لم يكن ذلك مفاجئا، لكنها كانت قلقة بشأن أي شيء، لم تقل، وبعد أيام توفيت هناء في المستشفى في 17 أغسطس  2022، بعد أن أشعل زوجها النار فيها.

يقول والدها محمد خضر، وهو عامل نظافة في مدينة طرابلس الثانية في لبنان: "كانت فتاة تحب الحياة".

في اليوم الأخير من زيارتها في أوائل أغسطس الماضي، جاء زوجها ليأخذها إلى المنزل حيث كانوا يعيشون، في جزء آخر من طرابلس، مع ابنيهما. 

يقول خضر: "بعد الظهر تلقيت مكالمة هاتفية تقول إن ابنتي كانت في المستشفى"، وهرع إلى هناك ليجد هناء "تصرخ من الألم" ويتهم زوجها؛ كما يقول، بإغراقها بغاز سائل من علبة احتفظوا بها في المطبخ، "سألتها عما حدث وقالت لي: "أبي، لقد أحرقني، أشعل بي النار". 

نسبة حروق 100%

بعد ثلاثة أيام، فقدت هناء طفلها، وبعد ثمانية أيام، ماتت هناء، يقول الدكتور غابرييل سابح، مؤسس مستشفى السلام في طرابلس لـ"الغارديان": "لقد أصيبت بحروق بنسبة 100%"، بما في ذلك في الجهاز التنفسي، منذ البداية كنا نرى أن قضيتها كانت ميؤوسا منها لكننا اعتنينا بها كما لو كانت لديها فرصة قتال مع الحياة، مع العلم أن الأمر سيحتاج معجزة حتى تتعافى".

الزوج ينفي 

وأضافت الصحيفة: أنه بعد ستة أشهر، لا تزال عائلة هناء في حيرة وحرمان، فزوجها، سائق سيارة أجرة، في السجن في انتظار المحاكمة بتهمة القتل، وهو ما ينفيه، على الرغم من أنه لا يزال يطبق عقوبة الإعدام من الناحية الفنية، إلا أن لبنان لم يعدم أي شخص منذ ما يقرب من عقدين، لكن خضر، الذي يرفض الحكم بالإعدام، لا يفعل ذلك في هذه الحالة، قائلاً: "لم تكن هذه جريمة عادية، كانت هذه جريمة فظيعة"، كما يقول: "كنت أدفع وزني ذهبا لأخذه إلى قبرها وأحرقه أمامه وأقول لها: لقد فعلت نفس الشيء معه كما فعل بك". 

قتل النساء اعتيادي

واستطردت الصحيفة أن ما حدث لهناء خضر كان فظيعاً، لكن قتل النساء على يد أزواجهن ليس نادرا في هذا البلد، سواء بين اللبنانيين أو 1.5 مليون سوري، فوفقا لقوى الأمن الداخلي، قتلت تسع نساء في جرائم العنف المنزلي بين يناير وأكتوبر من العام الماضي، و 18 في عام 2021. يعتقد أن العدد الحقيقي أعلى بكثير، مع ارتفاع العنف المنزلي. 

يقول محمد منصور، نائب مدير منظمة آباد، وهي منظمة غير حكومية معنية بالمساواة بين الجنسين: "نعلم أنه لم يتم الإبلاغ عن جميع الحالات".

عدم المساواة بين الجنسين

على الرغم من أن الدستور يعتبر "جميع اللبنانيين متساوين أمام القانون"، فإن عدم المساواة بين الجنسين ينسج في نسيج الأمة من خلال مزيج من القيم الأبوية والتشريعات غير المتكافئة وإرث "الرجولة العسكرية" من الصراع الماضي، كما يقول النشطاء والمحامون والأكاديميون. 

ويتفاقم هذا الوضع بسبب الأزمة الاقتصادية العقابية في البلد، مع تفاقم الفقر، والفساد المستشفى، والخلل المؤسسي، والشلل السياسي، وكلها تعزز ضعف الأقل قوة في المجتمع.

زينة ضحية أخرى

يقول محمد كانجو، الذي يزعم أن ابنته زينة قتلت على يد زوجها إبراهيم غزال، في يناير 2021: "لو كان لدي أي فكرة أن هذا سيحدث لها لما تركتها معه، يبدو الأمر وكأنه شيء مفقود من جسدك، شيء غير قابل للاستبدال".

وأضاف في نبرة يخنقها الحزن: "أخبرتني عدة مرات أنها تتمنى ألا تكون فتاة بل فتى، لأن الرجال لديهم المزيد من القوة". 

نشأت زينة كانجو في منطقة عكار الشمالية، ليست بعيدة عن الحدود مع سوريا، وهي واحدة من أكثر المناطق حرمانا في لبنان، كان لمحمد ست بنات ولكن بالنسبة له، "كانت تتفوق على الخمسة الآخرين معًا، كانت ذكية، كانت سعيدة، كانت تعرف الأشياء، أخبرتني عدة مرات أنها تتمنى ألا تكون فتاة بل فتى، لأن الرجال لديهم المزيد من القوة، والفتيات لا يسمح لهم دائما أن يعيشوا الحياة التي يريدونها". 

ثمن الحلم

في عام 2020، مثلت زينة بلدها في مسابقة جمال في مصر باسم "ملكة جمال لبنان الأنيق"، ويبدو أنها التقت بزوجها المستقبلي،  ووفقا لأمها، فاطمة، قررت أن تبدأ عائلة و"تنجب أطفالا وتمنحهم حياة أفضل من حياة أشقائها"، ومع ذلك، لم يكن كل شيء على ما يرام في الزواج، وقبل عدة أيام من وفاتها، جلست الفتاة البالغة من العمر 33 عاما في مكاتب المحامي البارز أشرف الموسوي في بيروت، وأخبرته أنها تريد مقاضاة زوجها بتهمة الاحتيال، يقول الموسوي: "كنا في حالة صدمة كاملة عندما علمنا بوفاتها لأننا لم نتوقع بأي شكل من الأشكال أنه سيقتلها، لم نتوقع أن تصل إلى هذا المستوى من العنف".

وجد خبراء الطب الشرعي أن زينة، التي عثر على جثتها في الشقة أنها قد اختنقت، وقال لإحدى شقيقاتها في مكالمة هاتفية بثت لاحقا على شاشة التلفزيون: "لم أكن أنوي ذلك ولم أكن أعتقد أنها ستموت".

اعتقال الزوج في السويد 

بعد ساعات من وفاتها، هرب زوجها إلى تركيا، تمكن من التهرب من الاعتقال حتى ديسمبر عندما تم اعتقاله، وفقا الموسوي، محامي عائلة كانجو الآن، وذلك في ستوكهولم بموجب إشعار أحمر من الإنتربول. 

وما سيحدث بعد ذلك غير واضح: لن تقوم السويد بتسليم المشتبه به إلا إذا تلقت تأكيدات بأنه لن يواجه عقوبة الإعدام، وامتنعت الشرطة السويدية عن التعليق.

إضراب القضاة

القضائي في لبنان عطل القصاص لزينة فقد نظم قضاة لبنان إضرابا لمدة خمسة أشهر في العام الماضي احتجاجا على انخفاض رواتبهم في الأزمة الاقتصادية؛ ما أدى إلى شلل النظام القانوني وأعمال المحاكم.

يقول الموسوي: إن هذا كان بمثابة عامل محفز آخر للمعتدين الذكور الذين شعروا بالفعل بالتمكين، بوعي أو لا شعوريا، من خلال القيم الأبوية الراسخة للمجتمع اللبناني، وكما تقول نادية بدران، رئيسة نقابة الأخصائيين الاجتماعي اللبنانيين: "لأن الرجال يستطيعون فعل ذلك؛ فإنهم يفعلون ذلك". 

أوضاع لبنان المزرية

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: "بالنسبة لأولئك الذين يعملون على خفض معدل العنف ضد المرأة في لبنان، يمكن أن يبدو الأمر وكأنه معركة ميؤوس منها، يقاتلون باستمرار من أجل البث وسط سلسلة الأزمات في البلاد، ففي السنوات الثلاث الماضية فقط، تعرض اللبنانيون للإغلاق بسبب كوفيد، ثم انفجار ميناء بيروت المدمر، والانهيار الاقتصادي، كل صدمة تصعد الضغط، كيف يمكن للمجتمع هدم النظام الأبوي عندما لا يستطيع إبقاء أضواء الشوارع مضاءة".