مواطنون وخبراء يكشفون.. هل يقضي «الحريري» على الانهيار في لبنان؟
تنتظر الحريري الذي استقالت حكومته قبل نحو عام على وقع احتجاجات شعبية، مهمة صعبة جراء الانقسامات السياسية ونقمة الشارع على الطبقة السياسية. وفي حال نجح في مهمته ستكون المرة الرابعة التي يرأس فيها الحكومة اللبنانية منذ 2009.
فور إعلان الرئاسة اللبنانية تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة تعهد رئيس الوزراء اللبناني بأنه عازم على وقف الانهيار وإعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ في بيروت، مؤكدًا تشكيله للحكومة بأسرع وقت ممكن، وأنها ستكون حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين مهمتها تطبيق الإصلاحات، وسط حالة من التخوفات من موقف حزب الله وبعض الممتنعين عن تسمية الحريري في ظل تأكيد الخبراء أن حكومة الحريري هي الأمل الأخير للبنان.. نجاح الحريري في مهمته الجديدة سيضعه للمرة الرابعة على رأس الحكومة اللبنانية رغم استقالة حكومته العام الماضي على وقع احتجاجات شعبية الأمر الذي يصعب مهمته.
تكليف الحريري.. الأمل في استعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي
كلف الرئيس اللبناني ميشال عون سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة، وكان الرئيس اللبناني قد التقى سعد الحريري رئيس الوزراء الأسبق بجانب عدد من الكتل النيابية التي أعلنت دعمها وتسميتها للحريري رئيسا للوزراء، بينما رفضت كتلة حزب الله تسمية أحد لشغل منصب رئيس الوزراء اللبناني.
وانتقد السياسي اللبناني جبران باسيل، رئيس الوزراء اللبناني السني السابق سعد الحريري لطرحه نفسه لرئاسة حكومة من شأنها تأييد مبادرة فرنسية لحل الأزمة الاقتصادية العميقة في البلاد.
وينص الدستور اللبناني على أن يقوم أعضاء المجلس النيابي، سواء كنواب أفراد أو تكتلات نيابية، بتسمية شخصية لتولي رئاسة الوزراء، ليقوم في أعقاب ذلك رئيس الجمهورية، وبعد التشاور مع رئيس مجلس النواب، بتكليف من يحظى بأغلبية أصوات النواب بترؤس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة ليبدأ في أعقاب ذلك مسار تأليف الحكومة.
وكان الرئيسان السابقان للحكومة اللبنانية النائب نجيب ميقاتي والنائب تمام سلام، ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، قد أعلنوا تسمية الحريري لرئاسة الوزراء، معربين عن أملهم في تضافر الجهود لتشكيل حكومة فاعلة وقادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة والتي يحتاجها لبنان لاستعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي.
الحريري: أعد اللبنانيين بوقف الانهيار الذي أصاب اقتصادنا ومجتمعنا وأمننا
من جانبه أكد رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة المكلّف سعد الحريري، أنه سيسعى لوقف الانهيار الذي يهدد اقتصاد لبنان وأمنه، مضيفًا أن الرئيس اللبناني أطلعه على نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة التي أفضت إلى تكليفه بتشكيل الحكومة.
وتوجه الحريري بالشكر للنواب متعهدًا بتشكيل الحكومة بسرعة، مؤكدًا أن الحكومة ستكون "اختصاصيين من غير الحزبيين مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية التي التزمت الكتل الرئيسية في البرلمان بدعم الحكومة لتطبيقها"، واصفاً إياها بحكومة "الفرصة الأخيرة" للبنان.
وتابع قائلا: "أتوجه إلى اللبنانيين الذين يعانون الصعوبات إلى حد اليأس، بأنني عازم على الالتزام بوعدي المقطوع لهم، بالعمل على وقف الانهيار الذي يتهدد اقتصادنا ومجتمعنا وأمننا، وعلى إعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ في بيروت، وأنني سأنكب بداية على تشكيل الحكومة بسرعة، لأن الوقت داهم، والفرصة أمام بلدنا الحبيب هي الوحيدة والأخيرة".
يُذكر أن الحريري حصل على 65 صوتًا فيما امتنع 53 نائبًا عن التسمية ويتألف مجلس النواب من 128 عضوا، لكن هناك ثمانية نواب مستقيلون لم يشاركوا في الانتخابات.
عودة الحريري ستساعد لبنان على تخطي الأزمة بحكم علاقاته الجيدة بالجميع
يقول فادي عاكوم المحلل السياسي اللبناني، إن عودة الحريري لترؤس الحكومة في لبنان كان أمر متوقعًا فعليًا كون المعطيات الداخلية والخارجية أكدت أن لا سبيل لإيجاد شخص يحظى برضا المجتمعات الخليجية والعربية وكذلك المجتمع الدولي كما يمتلك الحريري.
وأضاف عاكوم في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر": تشكيل الحريري للحكومة اللبنانية يعطي رسائل مطمئنة إلى الجميع وعلى رأسهم منطقة الخليج والدول الأوروبية وأيضًا الولايات المتحدة؛ فالحريري هو الوحيد الذي يمتلك علاقات جيدة مع كافة الأطراف.
وتابع: كذلك لا يمكن تجاهل إشارة مهمة للغاية وهي امتناع تنظيم "حزب الله" عن تسمية سعد الحريري، وهي إشارة إيجابية وبالتحديد للمملكة العربية السعودية التي سبق وأعلنت أنها ستمتنع عن تقديم أي مساعدات إلى لبنان إذا ما كان حزب الله يتصدر المشهد.
وأوضح عاكوم، أن الأمر الآخر المبشر هو ارتباط سعد الحريري بعلاقات جيدة ووثيقة مع فرنسا وبالتالي الدول الأوروبية التي أعلنت عن استعدادها لدعم لبنان إذا ما شهدت تشكيل حكومة فعليًا خلال وقت قصير، وهو ما يتضح حاليًا ويؤكد أن الحكومة ستكون مستقلة بامتياز لترضي الداخل اللبناني وكذلك تحصل على رضا الخارج.
واختتم عاكوم تصريحاته قائلًا: "بالتالي يستطيع لبنان من خلال الحكومة الجديدة أن يؤمن استثمارات جديدة ومساعدات جديدة لإنقاذ الاقتصاد المنهار قبل أن تحل الكارثة المنتظرة التي حذر منها خبراء لبنانيون وعالميون".
اختبارات عديدة تقف أمام "الحريري".. وتشكيل الحكومة المناسب الأمل الأخير في عبورها
من جانبه، يقول د. محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، إن تكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة للمرة الرابعة في عمله السياسي وللمرة الثالثة في عهد الرئيس ميشال عون سوف يتعرض لاختبار شديد.
وأضاف: أن الحريري أكد تأليف الحكومة من اختصاصيين غير حزبيين في وقت يشترط فيه الثنائي الشيعي تولي وزارة المالية وتسمية سائر وزراء الشيعة، الأمر الذي سيدفع بسائر الفرقاء إلى موقف مشابه، وهذا هو أصعب اختبار يعترض تشكيل الحكومة الجديدة.
وتابع الرز: الأمور لا تزال مرتبكة فالحريري يؤكد على سرعة تشكيله للحكومة لأن الوقت ليس في صالح لبنان، فيما يدعو أطراف آخرون وعلى رأسهم التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية إلى التمهل والدراسة المتأنية في اختيار الوزراء وهذا اختبار ثانٍ.
وأوضح أن الوقت الذي حدد فيه رئيس الحكومة المكلف طبيعة عملها المقبل بالمبادرة الفرنسية وبرنامجها أعلن رئيس الجمهورية قبل يوم واحد من التكليف ما يشبه البيان الوزاري للحكومة التي شدد على أنه شريك في تأليفها فكيف سيتم التوفيق بين الإعلانين، وهذا هو الاختبار الثالث.
وأشار الرز إلى أن الحريري اضطر إلى الاستقالة من منصبه قبل عام مضى بسبب الضغط الشعبي لثورة 17 أكتوبر، وها هو يعود اليوم بتسمية ضعيفة نسبيا من الكتل النيابية (أقل من تسمية حسان دياب ومصطفى أديب)، وأمامه جبهة معارضة لا يستهان بها فهل سينفذ الوعود التي أطلقها بالإصلاح أم سيراوح مكانه بسبب المتاريس الطائفية والمذهبية؟.
وتساءل الرز عن الطريقة التي سيؤمن بها الحريري الدعم المالي من صندوق النقد الدولي ومن دول الخليج العربي ومن المجتمع الدولي إذا كان حزب الله الذي رفض تسمية الحريري سارع إلى وضع شروط بوجه هذه المبادرات جميعا، موضحًا أن كل هذه الاختبارات وسواها ستظهر معالم إمكانية تجاوزها أم لا من خلال طريقة تشكيل الحكومة وطبيعة الوزراء الذين سيؤتى بهم.
وتابع الرز: فإذا نجح الحريري في شق الطريق نحو الإصلاح وكبح الانهيار وإعادة الإعمار كما وعد فإنه سيستعيد ثقة اللبنانيين بإمكانية عودة الدولة، أما إذا عجز عن ذلك فإن المرحلة المقبلة قادمة على تطورات صعبة، لأن المجتمع الدولي اتخذ قراره، كما هو واضح، بالتدخل لمنع الانهيار اللبناني وتحويله إلى ساحة مستباحة لإيران أو تركيا؛ ما يؤثر سلبيا على خطط وبرامج المجتمع الدولي نفسه في منطقة شرق المتوسط، ولذلك فإن سيناريوهات عديدة تم وضعها في حال فشل الحريري وحكومته المرتقبة، ليس أولها إعادة تركيب المنظومة السياسية في لبنان بصورة غير التي نعرفها الآن وبوجوه تختلف عما عهدناه حتى الآن، وهذا الأمر ستكون تكاليفه موجعة وباهظة على لبنان واللبنانيين.