تصدى لها "طوسمريب 3".. تاريخ أطماع قطر وتركيا في الصومال

تصدى لها
صورة أرشيفية

منذ انفجار فندق في الصومال الأسبوع الماضي، وتحركات السفير القطري بمقديشو، واستغلال الدوحة وأنقرة للشباب بالدولة الإفريقية وتجنديهم كمرتزقة، بجانب التحركات الأجنبية بالبلاد، اتجهت الأنظار من جديد نحو الأطماع القطرية بالصومال، وأيضًا التركية التي لها باع طويل منذ أعوام.

"طوسمريب 3"

على مدار أكثر من شهرين، جرت مفاوضات ضخمة بين الأطراف السياسية في الصومالية بمدينة طوسمريب عاصمة ولاية غلمدغ، توصلوا إلى بلورة رؤية للخروج من المأزق السياسي الناجم عن الخلافات حول الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في البلاد نهاية العام الجاري ومطلع العام المقبل، خاصة بعد وعود رئيس البلاد بإقامتها والتخلف عنها.

وبنتائج المفاوضات، انقلبت الطاولة على رئيس البلاد محمد عبدالله فرماجو، وفرضت نظام الاقتراع غير المباشر بنظام 4.5 العشائري، في الانتخابات المقبلة الذي يرفضه فرماجو بسبب أطماعه في التمديد لمدة عامين وتأجيل الانتخابات، وهو من شأنه إنهاء وصاية قطر على الصومال.

الأسبوع الماضي، ثارت الأوضاع في الصومال ضد قطر، حيث حمَّل ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الدوحة مسؤولية التفجير الذي استهدف فندقًا في الصومال، وراح ضحيته 10 أشخاص وأدى إلى إصابة 30 شخصًا، حيث أفادت التحقيقات بأن مسلحين اقتحموا فندقًا فخمًا على شاطئ البحر في مقديشو.

وعقب ذلك، أعلنت حركة الشباب المسلحة، المدعومة من قطر، تبنيها الهجوم على فندق إليت في شاطئ ليدو، والذي بدأ بتفجير انتحاري بسيارة مفخخة، واشتبك مسلحوها في وقت لاحق مع قوات الأمن. 

أطماع قطر بالصومال

سعى النظام القطري بالتهاون مع نظيره التركي بكل السبل إلى طرق أبواب الإرهاب بشتى الأساليب في الصومال، لدعم مصالحها ومساعيها الإجرامية، والتي تم فضح أغلبها، ولعل أبرزها العام الماضي، حينما فجرت صحيفة "نيويورك تايمز"، مفاجأة من العيار الثقيل، بنشرها تسجيلًا صوتيًّا لمكالمة هاتفية، بين السفير القطري في الصومال حسن بن حمزة بن هاشم، ورجل الأعمال خليفة كايد المهندي، المقرب من أمير قطر تميم من حمد، تثبت تورط الدوحة في العمليات الإرهابية بالصومال.

وورد في المكالمة، تأكيد رجل الأعمال للسفير، أن قطر ستقف وراء التفجير الذي حدث في مدينة بوصاصو في 8 مايو الماضي، قائلًا: إن "أصدقاء قطر نفذوا الهجوم"، فضلًا عن حديثه أن القطريين يعرفون من المسؤول عن التفجيرات والقتل في تأكيد لا يحتمل أي تأويل، والتطلع لتحويل "عقود" في الصومال إلى يد الدوحة.

وأكدت الصحيفة أن المكالمة تظهر بوضوح أن الهجوم كان يستهدف تعزيز مصالح قطر في الصومال، وتقويض الدعم الذي تقدمه دول خليجية للدولة الإفريقية من أجل استعادة عافيتها، مشيرة إلى أنها تواصلت مع المهندي، ولم ينفِ صحة التسجيل، لكنه زعم أنه كان يتحدث بصفته مواطنًا وليس مسؤولًا حكوميًّا، وأن السفير صديق منذ أيام الدراسة.

دعم حركة الشباب

كما دعمت حركة الشباب الإرهابية في هجمات عدة في مدينة بوصاصو ومناطق من الصومال، بما فيها العاصمة مقديشو، حيث سبقها العديد من الهجمات والكوارث.

ولقطر، سجل إجرامي طويل في الصومال، حيث قدمت مساعدات عسكرية إلى الصومال، والتي اتخذتها كستار للعمل الإرهابي، بمزاعم توطيد علاقات التعاون بين البلدين والشعبين الشقيقين، حيث إنه في تقرير سابق لمؤسسة "دعم الديمقراطية" الأميركية، بعنوان "قطر وتمويل الإرهاب"، أكد أن قيادات من تنظيم "القاعدة" في شبه القارة الهندية و"حركة الشباب" الصومالية تلقوا دعمًا من رجال أعمال وشيوخ قطريين ومقيمين في قطر.

وأشارت المؤسسة الأميركية إلى أن حركة الشباب الصومالية المتطرفة، تلقت تمويلًا من رجل الأعمال القطري المطلوب دوليًّا عبدالرحمن النعيمي، بمبلغ 250 ألف دولار، بالإضافة إلى العلاقة القوية التي تربط بين النعيمي وزعيم الحركة "حسن عويس" المحتجز حاليًا لدى السلطات الصومالية.

ولم تكتفِ الدوحة بالتمويل المالي، وإنما قدمت أيضًا تأييدًا إعلاميًّا لقادتها بالرأي العام عبر قناة "الجزيرة"، بالإضافة إلى منح رشاوى لمتنافسين في الانتخابات التي جرت بالصومال، وتحت ستار العمل الإنساني أيضًا تنشط في الصومال جمعية "قطر الخيرية" و"الهلال الأحمر" ومؤسسة "راف"، التي يستغلها النظام القطري والتركي للغطاء على أعمالهم الإجرامية الإرهابية.

كما أنها موَّلت الجماعات الإرهابية وإقامة قاعدة عسكرية، من خلال شخصيات معروفة لعبت دورًا محوريًّا في تمويل الحركة الإرهابية، المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، بشكل مباشر وغير مباشر، لذلك كانت السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، سوزان رايس، طلبت في 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة الشباب، لأن أنقرة تتمتع بنفوذ كبير في قطر والصومال.

استغلال الأوضاع

وفي الوقت نفسه، اتخذت الدوحة من مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية والإدارة المحلية، ستارًا لأفعالها الإجرامية، حيث قدمت دعمها من خلف تلك الأبواب على مدار الأعوام الماضية، بالإضافة إلى تقديمها مساعدات خيرية للصوماليين بشكل مستمر، وهو ما أثار سخط المواطنين الذين سبق أن وجهوا نداء استغاثة للإمارات التي سرعان ما لبته، وقدمت العديد من المساعدات للشعب الصومالي لمواجهة مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومد يد العون له لانتشاله من حالة التدهور الحالية.

كما أن الحكومة السابقة أصدرت قرارات مشبوهة تضرب بالدستور الصومالي والقوانين الداخلية للبلاد عرض الحائط، من أجل خدمة أجندة قطر، التي أصبحت تسيطر على جميع مفاصل البلاد الأمنية، وهو ما قاد البلاد إلى مزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي الداخلي وشرذمة العلاقات الاجتماعية بين المكونات الصومالية وإعادة لسيناريوهات الحرب والنزاعات الدموية التي ستقود لتقسيم البلاد.

بينما حاولت حكومة فرماجو إرضاء قطر وتنفيذ أجندتها في القرن الإفريقي، والذي من شأنه تشويه سمعة الأجهزة الأمنية والشرطية، وفقدانها لمهنيتها ومصداقيتها في الداخل والخارج، مطالبين القيادات الصومالية أن تنأى عن الأجندة القطرية المشبوهة التي تدعم الإرهاب وتدعم إيصال الجماعات المتشددة إلى الحكم.

وأكد موقع "صومتريبيون" الإخباري الصومالي، تلك الأخبار المتداولة، محذرًا من أن نظام الحمدين يسعى للسيطرة على البلاد عبر اختراق أجهزته الأمنية لنشر موالين لها، بجانب بسط نفوذه على القصر الرئاسي من خلال عميله الرئيسي في البلاد، فهد ياسين حاج طاهر، مدير ديوان القصر الرئاسي.

فضائح أخرى

وسبق أن كشف أيضًا الجنرال عبدالله عبدالله، نائب رئيس جهاز المخابرات الصومالي، جانبًا من تلك الانتهاكات، حيث أكد أن الرئيس فرماجو أطاح به من منصبه بتوجيه من قطر لإثباته تورط الدوحة في دعم وتمويل الإرهاب ببلاده، مشيراً إلى تأثير تنظيم الحمدين على الصومال من أجل خدمة مصالحها في المنطقة، حيث اتخذت من بلاده بؤرة إجرامية لها، لذلك ارتبط اسمها مع الجماعات الإرهابية التي ظهرت في البلاد، لدعمها لتلك الميليشيات وتقديم دعم مالي وإعلامي وعسكري وتسهيلات عديدة لها، فضلًا عن تأييدها لحزب إسلامي إرهابي في 2011 والذي أصبح مؤخرا "حركة الشباب الصومالية الإرهابية".

وتابع: إن الدوحة وصل بها الأمر للتدخل في 3 انتخابات رئاسية بالصومال، وهو ما كان سببًا في سقوط تلك الحكومات، بسبب مالها السياسي، وهو ما انعكس أيضًا على السياسة الصومالية، وتحولت البلاد إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية، فضلًا عن دعمها لمؤسسات وجهات خيرية وفكرية بدواعٍ إرهابية باطنة من أجندتها المشبوهة.

وكشف أيضًا أن الدوحة قامت بتجنيد عملاء ومؤيدين لها من أجل تنفيذ عملياتها الإرهابية والإجرامية بالبلاد، فضلًا عن التأثير على القرار السياسي لها أيضًا، منهم فهد ياسين حاج طاهر، رئيس جهاز المخابرات الحالي، مؤكداً علاقته بالإرهاب لذلك عمل على إزاحة الجنرال من منصبه لخدمة الأغراض القطرية.

وأردف الجنرال عبدالله أن قطر حاليًا تهدف للسيطرة على ميناء هبيو، كونها منطقة إستراتيجية قريبة للحدود الصومالية الإثيوبية؛ ما يجعلها من الموانئ الهامة في شرق إفريقيا مستقبلًا، فضلًا عن كونه غنيًّا بالثروات الطبيعية ومنها الثروة السمكية والنفط واليورانيوم.

ولأردوغان أطماع أخرى

لم تسلم الصومال من أطماع تركيا، التي بدأت منذ أكثر من عقد، تحت ستار المساعدة لتخطي تداعيات الحروب الأهلية والمجاعات والصراعات الدامية، بينما كان يوطد أقدامه لاستغلالها نظرًا لموقعها الإستراتيجي، كونها مطلة على القرن الإفريقي والمحيط الهندي.

ووصل الأمر إلى دعوة أردوغان، إلى التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية بالصومال، حيث كشفت مجلة "جلوبال سيكيوريتي" الأميركية المتخصصة في الشؤون العسكرية، تفاصيل مخطط أنقرة الاستعماري، للسيطرة على الصومال، مؤكدة أن انسحاب "أميصوم" يأمل أردوغان في إحداثه فجوة أمنية تمهد له الطريق للقفز لسدها تحت غطاء شرعي فاشٍ.

وأضافت المجلة الأميركية: أن العلاقات التركية الصومالية تتبطن بمطامع أنقرة في البلد الإفريقي، حيث تم تدشين قاعدة عسكرية تركية في مقديشو عام 2017، والتي تهدف لتكون بوابة لاحتلال الصومال ومنطقة القرن الإفريقي، في موعد الانسحاب المنتظر، لتهرع تركيا إلى مقديشو بحجة "التنقيب"، تحت مزاعم إعادة بناء الجيش الصومالي.

كما قرر أردوغان فتح السفارة التركية التي أغلقت عقب اندلاع الحرب الأهلية في الصومال، وبعد 3 أعوام افتتحت قنصلية عامة لها في إقليم أرض الصومال، عقب نشر تقارير عدة بأن هناك تقديرات تفيد بوجود مخزون هائل من النفط والغاز في المياه الإقليمية لمقديشو.

واتخذت غطاء آخر بمحاولتها إقناع واشنطن والاتحاد الأوروبي بتمويل الجيش الصومالي بدل القوة الدولية، وعقب ٥ أعوام، حققت تقدمًا مرعبًا في مخططها بالصومال، بتأسيس أضخم قاعدة عسكرية تركية في الخارج على أرض مقديشو بموجب الاتفاق العسكري، لتخطو الآن بخطوات متسارعة لاستغلال واستنزاف موارد البلد الإفريقي المنكوب الذي يحاول جاهدًا الإفلات من إرهاب المسلحين والحرب الأهلية إلى إرهاب أردوغان.