تحوّل تاريخي في لبنان.. انقسام داخل الطائفة الشيعية يضغط على حزب الله نحو نزع السلاح

تحوّل تاريخي في لبنان.. انقسام داخل الطائفة الشيعية يضغط على حزب الله نحو نزع السلاح

تحوّل تاريخي في لبنان.. انقسام داخل الطائفة الشيعية يضغط على حزب الله نحو نزع السلاح
قصف لبنان

تشهد الحدود الإسرائيلية – اللبنانية توترًا متصاعدًا مع تكثيف المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، إلا أن تقديرات الأجهزة الأمنية في كل من واشنطن وتل أبيب تشير إلى أن ما يجري على الأرض لا يعكس الصورة الكاملة. 

فبحسب معلومات حصلت عليها مصادر إسرائيلية وأمريكية، فإن الوضع داخل لبنان يمر بمرحلة مفصلية قد تشكل نقطة تحول إيجابية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، على خلفية تغيرات مهمة داخل البيئة الشيعية في البلاد، حسبما نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية.

انقسام داخل الطائفة الشيعية 


وأكدت الصحيفة، أن جذور هذا التحول تتعلق بردود الأفعال في لبنان على الرسالة العلنية التي وجهها نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، والتي أكد فيها التزام الحزب بوقف إطلاق النار المعلن منذ نحو عام، ورفضه لأي مسعى لنزع سلاحه أو فتح حوار مع إسرائيل. 

كما شدد قاسم على تمسك الحزب بما سماه حق المقاومة، ورفضه الخضوع لسلطة الحكومة اللبنانية في قضايا الحرب والسلم.

جاءت الرسالة بعد سلسلة ضربات إسرائيلية قوية استهدفت بنية حزب الله العسكرية، أعقبها تصريح للرئيس اللبناني جوزيف عون قال فيه إن لبنان مضطر إلى دراسة خيار الحوار المباشر مع إسرائيل للخروج من دائرة التصعيد.

إلا أن المفاجأة الأبرز كانت في الموقف الشعبي داخل الطائفة الشيعية، حيث خرجت شخصيات معروفة وذات مكانة اجتماعية واسعة لتوجيه انتقادات مباشرة لحزب الله، متهمة إياه بالسير نحو مواجهة غير ضرورية خدمة للمصالح الإيرانية. وانتشرت تسجيلات مصوّرة لشخصيات شيعية تناشد أبناء الطائفة الضغط على الحزب للقبول بإطار سياسي جديد قد يشمل نزع السلاح.

هذا الخطاب غير المسبوق وجد صداه أيضًا خارج البيئة الشيعية، حيث انضم إليه رموز دينية وسياسية من طوائف أخرى، في مؤشر على اتساع دائرة الرفض المحلي لدور حزب الله.

حكومة لبنانية أقوى 


تشير تحليلات أمنية إلى أن الحكومة اللبنانية الحالية، بقيادة الرئيس جوزيف عون، تمتلك قدرًا من النفوذ السياسي والعسكري لم يتوفر لأي إدارة لبنانية منذ عقود. ويعزو الخبراء ذلك إلى عدة عوامل أساسية:


أولاً، تعرض حزب الله لخسائر عسكرية كبيرة في مواجهاته الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي، سواء على مستوى القيادات أو القدرات التقنية. 

كما أن إيران، الداعم الرئيس للحزب، لم تعد قادرة على تقديم الدعم المالي واللوجيستي ذاته في ظل أزماتها الداخلية.

ثانيًا، يعاني الشارع اللبناني من إنهاك شديد جراء الحرب والانهيار الاقتصادي، خصوصًا داخل البيئة الشيعية التي تتحمل العبء الأكبر من الخسائر البشرية والنزوح. 

ورغم الأنباء التي تتحدث عن حصول حزب الله على تمويل إيراني بقيمة مليار دولار خلال العام الماضي، فإن هذا المبلغ لا يكفي لسداد التزاماته المالية، بما في ذلك مخصصات عائلات القتلى والجرحى، وإيجارات النازحين الذين تم تهجيرهم من قرى الجنوب التي حوّلها الحزب إلى قواعد أمامية.

وتكشف مصادر مالية عن ازدحام غير مسبوق أمام مكاتب جمعية القرض الحسن، الجناح المالي للحزب، التي تعاني بدورها من شح في السيولة بعد استهداف عدة منشآت لها بغارات إسرائيلية.

دعم عربي معلّق بقرار أمريكي


تؤكد المصادر، أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات، جاهزة لضخ مليارات الدولارات لإعادة إعمار لبنان، لكن الضوء الأخضر من واشنطن لم يصدر بعد. 

وتربط إدارة الرئيس دونالد ترامب أي تحرك مالي دولي في لبنان بنزع سلاح حزب الله كشرط أساسي.

ويواجه الحزب تحديًا زمنيًا مع اقتراب مهلة طلبتها واشنطن لنزع سلاحه، وهي نهاية ديسمبر 2025، أي بعد أسابيع قليلة فقط. في حال رفض الحزب الامتثال، تتوقع مصادر سياسية وأمنية مزيدًا من الانهيار الاقتصادي وتفجّر الأوضاع الاجتماعية.


إعادة بناء القوة العسكرية


رغم الضغوط، يسرّع حزب الله وتيرة إعادة بناء قدراته العسكرية داخل الجنوب والبقاع. 

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن ورشات صغيرة، بعضها في ورش للسيارات وبعضها في بيوت خاصة، تعمل بشكل متواصل لإصلاح قاذفات صواريخ وأسلحة فردية وذخائر جرى انتشالها من تحت الأنقاض. ويتم تصنيع أجزاء جديدة يدوياً في غياب الدعم اللوجستي الإيراني الكامل.

وفي موازاة هذه الجهود، يعتمد الحزب على تهريب الأسلحة الخفيفة من سوريا، مستفيدًا من انتشار ترسانات غير مسيطر عليها بعد انهيار النظام السابق. أسلحة مثل قذائف آر بي جي وصواريخ مضادة للدروع تباع حاليًا من قبل شبكات تهريب وعصابات محلية.

كما تفتح إيران قنوات تهريب جديدة عبر البحر والجو لتعويض فقدان المسارات البرية التقليدية، بعد أن أغلقت سوريا المعابر الصحراوية نتيجة الضغوط الإسرائيلية إلا أن هذه القنوات أقل فعالية بفعل مقتل معظم كوادر العمليات اللوجستية في حزب الله وإيران خلال العمليات الإسرائيلية الأخيرة.

تجنيد بالحوافز المالية رغم شح التمويل


تعمل قيادة حزب الله على تعويض خسائرها البشرية من خلال حملة تجنيد نشطة بين الشباب الشيعة، مستندة إلى إغراءات مالية كبيرة قد تصل إلى سبعة أضعاف راتب الجندي اللبناني. لكن قدرة الحزب على التوسع تبقى رهينة حجم التمويل الإيراني المتقلص.

سلاح الطائرات المسيّرة


لم يعد الحزب قادرًا على إعادة بناء مخزون الصواريخ الثقيلة، لذلك يتجه بكثافة إلى شراء طائرات مسيّرة مدنية من الصين وأوروبا وتحويلها إلى منصات هجومية محلية الصنع. 

وتتابع إسرائيل هذا التطور عن كثب وتشن غارات متكررة على مواقع تصنيع وتجميع المسيّرات داخل بيروت وشمال الليطاني.

تهديد الداخل اللبناني


بحسب مسؤولين أمنيين إسرائيليين، فإن الهدف الأساسي من تعزيز القدرات العسكرية الحالية ليس خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بل امتلاك أوراق ضغط داخلية تمكن الحزب من تهديد الحكومة والجيش اللبنانيين بإمكانية دفع البلاد إلى حرب أهلية جديدة، هذا التهديد الداخلي، تقول المصادر، هو ما يمنع القيادة اللبنانية من اتخاذ خطوات حقيقية لنزع سلاح الحزب.

تعمل إسرائيل وفق تعليمات سياسية بتنفيذ بنود وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024، مع الاستمرار في ضرب أي محاولات لإعادة بناء بنى تحتية عسكرية قد تشكل تهديدًا مستقبليًا.

ورغم التنسيق مع الآلية الأمنية الأمريكية – الفرنسية العاملة في لبنان، إلا أن الجيش الإسرائيلي ينفذ ضربات مستقلة في حال كشفت الاستخبارات عمليات تهريب جارية أو عندما ترفض وحدات الجيش اللبناني دخول مواقع يسيطر عليها الحزب داخل مناطق سكنية خاصة.

تفاؤل حذر في إسرائيل وواشنطن


ترى إسرائيل أن الضغط الداخلي المتزايد على حزب الله، سواء من الطائفة الشيعية أو من القوى السياسية اللبنانية الأخرى، قد يجبره في النهاية على قبول نزع السلاح، ليس فقط في الجنوب بل على مستوى البلاد كلها.

وفي حين لا تتوقع تل أبيب اندلاع مواجهة وشيكة، فإنها تستعد لإعادة تقييم قواعد الاشتباك بحلول مطلع العام المقبل في حال استمرت محاولات الحزب لإعادة بناء قوته وعدم الالتزام بمطالب المجتمع الدولي.