من كواليس التوافق إلى رئاسة البرلمان.. من هو هيبت الحلبوسي وماذا يعني صعوده؟
من كواليس التوافق إلى رئاسة البرلمان.. من هو هيبت الحلبوسي وماذا يعني صعوده؟
في لحظة بدت محسوبة بدقة داخل المشهد السياسي العراقي شديد التعقيد، حسم مجلس النواب العراقي أول استحقاقاته الدستورية بانتخاب رئيسه للدورة البرلمانية السادسة، لم يكن الاختيار وليد الصدفة، ولا نتاج جلسة عابرة، بل ثمرة أسابيع من المشاورات الصامتة والضغوط المتبادلة داخل البيت السني وخارجه، انتهت بتقديم اسم يُنظر إليه باعتباره «حلًا وسطًا» هيبت الحلبوس، انتخاب رئيس البرلمان في العراق ليس مجرد إجراء بروتوكولي، بل هو مؤشر مبكر على اتجاهات التحالفات، وحدود التوافق الممكن، وطبيعة التوازنات التي ستحكم المرحلة المقبلة، ومن هذه الزاوية، فإن صعود هيبت الحلبوسي إلى المنصب يفتح الباب أمام قراءة أعمق لشخصيته، وخلفيته السياسية، والدلالات التي يحملها اختياره في هذا التوقيت تحديدًا.
مسار سياسي صاعد من الأنبار إلى بغداد
ينحدر هيبت حمد الحلبوسي من محافظة الأنبار، إحدى أكثر المحافظات العراقية حضورًا في المعادلة السياسية بعد 2003، خاصة في ظل ما شهدته من تحولات أمنية وسياسية كبرى.
وُلد عام 1980، وتلقى تعليمه الأكاديمي في بغداد، حيث حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من الجامعة المستنصرية، وهو تكوين أكاديمي انعكس لاحقًا على حضوره داخل البرلمان وقدرته على الاشتباك مع الملفات التشريعية المعقدة.
دخل الحلبوسي الحياة النيابية عام 2018، ومنذ دورته الأولى برز كأحد الأسماء النشطة داخل البرلمان، قبل أن يتولى رئاسة لجنة النفط والطاقة، إحدى أكثر اللجان حساسية وتأثيرًا في الدولة العراقية.
هذه اللجنة، المرتبطة بملفات النفط والغاز والكهرباء، وضعت الحلبوسي في قلب النقاشات الاقتصادية والسيادية، ومنحته خبرة مباشرة في إدارة التوازن بين السياسة والاقتصاد.
حزب "تقدم".. والظل الثقيل لمحمد الحلبوسي
سياسيًا، يُصنف هيبت الحلبوسي ضمن القيادات المؤسسة في حزب حزب تقدم، الذي يتزعمه رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، هذا الارتباط كان سلاحًا ذا حدين، فمن جهة، وفر له دعمًا تنظيميًا قويًا داخل الكتلة السنية، ومن جهة أخرى جعله يُنظر إليه باعتباره امتدادًا لخط سياسي يثير حساسية بعض القوى الشيعية والكردية.
وخلال الأسابيع التي سبقت جلسة الانتخاب، كان واضحًا أن محمد الحلبوسي نفسه يطمح للعودة إلى رئاسة البرلمان، إلا أن ما تردد عن فيتو غير معلن من قوى داخل الإطار التنسيقي، إلى جانب تحفظات من الحزب الديمقراطي الكردستاني، دفع باتجاه البحث عن اسم أقل استفزازًا وأكثر قابلية للتسويق سياسيًا.
هنا برز هيبت الحلبوسي بوصفه خيارًا توافقيًا، لا يقطع مع خط "تقدم"، ولا يعيد إنتاج الصدامات القديمة.
جدل وانتقادات.. وامتحان مبكر للمنصب
ورغم هذا التوافق النسبي، لم يخلُ اسم رئيس البرلمان الجديد من الجدل. فقد تعرض الحلبوسي خلال الفترة الماضية لانتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية اتهامه بتهديد ناشط عراقي يُدعى بكر الدحام، بعد انتقاده تردي الخدمات في الأنبار. وتحوّل الأمر وقتها إلى حملة إلكترونية ووسم واسع الانتشار حمل شعار «الحلبوسي يقمعنا»، في مؤشر على حجم الحساسية الشعبية تجاه ملفات الخدمات وحرية التعبير.
هذا الجدل يضع رئيس البرلمان الجديد أمام اختبار مبكر، هل ينجح في الفصل بين العمل المؤسسي وردود الفعل السياسية، أم تلاحقه هذه الملفات في كل استحقاق تشريعي أو رقابي مقبل.
ما بعد البرلمان.. مشهد مفتوح على الاحتمالات
انعقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب برئاسة أكبر الأعضاء سنًا، النائب عامر الفائز، وبحضور 309 نواب من أصل 329، في مشاركة عكست أهمية الاستحقاق. وبحسب النتائج الرسمية، حصل هيبت الحلبوسي على 208 أصوات، مقابل 66 صوتًا لمنافسه سالم العيساوي، بينما توزعت بقية الأصوات بين مرشحين آخرين وأوراق باطلة.
هذه الأرقام لا تعكس فقط فوزًا مريحًا، بل تشير إلى حجم التفاهمات التي سبقت الجلسة، سواء داخل القاعة أو في الكواليس السياسية. كما أسهم انسحاب رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي من السباق في تقليص دائرة المنافسة وتسهيل الحسم، في خطوة قرأها مراقبون باعتبارها جزءًا من صفقة أوسع لتجنب انقسام المكون السني.
يمثل انتخاب رئيس مجلس النواب الخطوة الأولى في المسار الدستوري، على أن تتجه الأنظار خلال الأيام المقبلة إلى انتخاب رئيس الجمهورية، ثم تكليف رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة. وفي ظل تحالفات متحركة وتوازنات هشة، سيكون دور رئيس البرلمان محوريًا في إدارة الخلافات، واحتواء الصدامات، وضمان سير العملية التشريعية دون شلل.

العرب مباشر
الكلمات