محمد الحداد.. الجنرال الذي حاول ترميم جيشٍ ممزق وانتهت رحلته في السماء

محمد الحداد.. الجنرال الذي حاول ترميم جيشٍ ممزق وانتهت رحلته في السماء

محمد الحداد.. الجنرال الذي حاول ترميم جيشٍ ممزق وانتهت رحلته في السماء
محمد الحداد

في ليبيا التي اعتادت أن تتأرجح بين الحرب والسلام، برز اسم الفريق أول ركن محمد علي الحداد كأحد أبرز الوجوه العسكرية التي حاولت أن تمنح المؤسسة العسكرية الليبية ملامح دولة، لا ملامح جبهات متصارعة.

 الرجل القادم من مصراتة لم يكن مجرد قائد ميداني شارك في المعارك، بل تحول لاحقًا إلى شخصية سياسية – عسكرية من طراز خاص، تحاول التوفيق بين الأطراف، وتعيد رسم ملامح جيش ظل لسنوات أسير الانقسام والولاءات المتناقضة.

 منذ صعوده إلى رئاسة الأركان عام 2020، ارتبط اسمه بمحاولات توحيد المؤسسة العسكرية، وببناء شبكة علاقات دولية مع أنقرة وروما وواشنطن، إلى جانب حضوره الفاعل في مشهد ما بعد 2011، خاصة خلال معارك طرابلس عام 2019. 

رحيله المفاجئ في حادث تحطم طائرة لم ينه فقط مسيرة قائد بارز، بل فتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل المؤسسة العسكرية الليبية التي خسرَت أحد أبرز مهندسي مشروع “الجيش الموحد”.

من هو؟

لم يكن الفريق أول ركن محمد علي الحداد مجرد اسم عسكري عابر في التاريخ الحديث لليبيا، بل كان جزءًا من تحولات كبرى شهدتها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي وحتى سنوات الاضطراب السياسي اللاحقة.

ولد في مصراتة عام 1966، وتخرّج من الكلية العسكرية في طرابلس عام 1985، ليبدأ مسارًا مهنيًا تقليديًا داخل المؤسسة العسكرية، قبل أن تضعه التحولات التي أعقبت ثورة 17 فبراير في قلب المشهد، حيث أصبح أحد الضباط البارزين الذين حافظوا على حضورهم وتأثيرهم في مرحلة صاخبة سياسياً وأمنيًا.

برز اسم الحداد بقوة بعد عام 2011، لكن ذروة حضوره جاءت في عام 2019 خلال الهجوم على العاصمة طرابلس. حينها ظهر كأحد أبرز القيادات التي تولت إدارة المعارك وتنظيم الدفاعات في الغرب الليبي. 

وبفضل خبرته العسكرية وصلاته الطبيعية بمدينته مصراتة ذات الثقل العسكري، استطاع أن يتحول إلى شخصية ذات وزن، لا فقط على مستوى الميدان، بل داخل دائرة القرار الأمني والعسكري.

نقطة التحول

عام 2020 شكل نقطة التحول الأبرز في مسيرته، حين صدر قرار تعيينه رئيسًا للأركان العامة للجيش الليبي، ليقود مؤسسة تتصارع داخلها الولاءات وتتجاذبها الانقسامات بين شرق البلاد وغربها.

ومنذ ذلك التاريخ، حاول الحداد أن يقدّم نفسه باعتباره قائدًا يؤمن بفكرة “الجيش الوطني الموحد”، بعيدًا عن الاصطفافات السياسية، رغم إدراكه أن الواقع الليبي أكثر تعقيدًا من الشعارات.

كان دوره داخل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) أحد أهم محطاته. هذه اللجنة التي تشكلت بإشراف الأمم المتحدة بعد اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، هدفت إلى تثبيت الهدنة وبناء مسار مهني لتوحيد المؤسسة العسكرية.

شارك الحداد في أعمالها باعتباره ممثلاً عن القوات العسكرية في غرب ليبيا، وحاول، وفق تصريحات ومواقف متعددة، الدفع باتجاه بناء مؤسسة مهنية غير خاضعة للصراعات السياسية.

علاقات دولية

ومع إدراكه أن توحيد الجيش الليبي لا يمكن أن يتم بمعزل عن العلاقات الدولية، نسج الحداد شبكة واسعة من الاتصالات الخارجية. كانت تركيا أبرز الشركاء العسكريين، حيث قام بعدة زيارات رسمية إلى أنقرة، وظهر في مناسبات مختلفة إلى جانب كبار المسؤولين العسكريين الأتراك، في إطار شراكة أمنية وعسكرية رسختها الاتفاقيات بين البلدين. 

كما فتح قنوات تعاون مع إيطاليا عبر اتفاقيات تدريب وتطوير قدرات القوات الخاصة الليبية، إلى جانب التنسيق مع القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، في ملفات تتعلق بالأمن الحدودي ومكافحة الإرهاب ودعم هيكلة المؤسسة العسكرية.

لم يكن الحداد مجرد قائد في المكاتب الرسمية؛ فهو ظل حاضرًا في تفاصيل المشهد الأمني، مشاركًا في احتواء نزاعات داخلية شهدتها طرابلس ومدن الغرب الليبي. هذا الدور جعله شخصية مؤثرة سياسيًا، رغم محاولاته الدائمة تقديم نفسه كقائد عسكري مهني، وهو ما أكسبه احترامًا داخل قطاعات من المؤسسة العسكرية، وفي الوقت نفسه جعله جزءًا من معادلة سياسية حساسة.

انتهت هذه المسيرة فجأة وبصورة صادمة، عندما تحطمت الطائرة التي كانت تقله من أنقرة باتجاه طرابلس، ليفارق الحياة مع أربعة من مرافقيه.

حادثة وصفت بـ الفاجعة الوطنية، وأعلنت على إثرها حكومة الوحدة الوطنية الحداد الرسمي لثلاثة أيام، مؤكدة أن ليبيا خسرت شخصية عسكرية لعبت دورًا محوريًا في واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا.