تحذيرات أممية.. انهيار النظام الصحي في غزة يهدد بمستقبل مظلم للأجيال القادمة

تحذيرات أممية.. انهيار النظام الصحي في غزة يهدد بمستقبل مظلم للأجيال القادمة

تحذيرات أممية.. انهيار النظام الصحي في غزة يهدد بمستقبل مظلم للأجيال القادمة
حرب غزة

في الوقت الذي يحاول فيه العالم التقاط أنفاسه بعد شهور من الحرب، تبدو غزة وكأنها قد خرجت من تحت الأنقاض لتواجه معركة جديدة، لكن هذه المرة بلا دخان ولا صواريخ. إنها معركة من نوع آخر معركة البقاء في مواجهة المجاعة، والمرض، وانهيار النظام الصحي.

 المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أطلق تحذيرًا قاسيًا يختصر المأساة في جملة واحدة: "غزة تشهد كارثة صحية ستستمر لأجيال قادمة"، فالحصار والدمار ونقص المساعدات تضافرت لتشكّل حلقة مفرغة من الألم والمعاناة، حيث يموت البعض جوعًا بينما ينتظر آخرون إجلاءً طبيًا لن يأتي.

وبينما رحّب غيبريسوس بوقف إطلاق النار، أشار بوضوح إلى أن الهدوء العسكري لم يجلب معه تعافيًا صحيًا، بل كشف هشاشة البنية الطبية وعمق الجرح الإنساني الذي قد لا يندمل لعقود.

إنهيار كامل
في مقابلة مطوّلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، رسم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية صورة قاتمة لما وصفه بـ"الانهيار الكامل" في القطاع الصحي داخل غزة، مؤكدًا أن الكارثة الإنسانية الراهنة تتجاوز حدود الطوارئ لتتحول إلى أزمة بنيوية قد ترسم مستقبلًا مظلمًا لأجيال الفلسطينيين القادمة.

وقال تيدروس: إن ما يحدث في غزة "ليس مجرد أزمة إنسانية مؤقتة"، بل هو "تدمير شامل للركائز الأساسية للحياة"، مشيرًا إلى أن المنظومة الصحية في القطاع لم تعد قادرة على أداء أبسط وظائفها، من علاج الجرحى إلى تقديم الرعاية للأمهات والأطفال.

ورغم إعلان وقف إطلاق النار مؤخرًا، إلا أن التحسن على الأرض ما زال محدودًا للغاية، إذ لم تصل المساعدات الطبية والغذائية بالكميات الكافية لإعادة بناء الخدمات الأساسية. 

وأوضح مدير الصحة العالمية، أن المساعدات التي دخلت منذ أكتوبر لم تتجاوز 6700 طن من الغذاء، وهو رقم ضئيل مقارنة بالحاجة اليومية المقدرة بنحو 2000 طن.

قيود إسرائيلية
وأضاف: أن المتوسط اليومي لشاحنات الإغاثة التي تدخل غزة لا يتجاوز 200 إلى 300 شاحنة، بينما يحتاج القطاع فعليًا إلى نحو 600 شاحنة يوميًا لتغطية الاحتياجات الأساسية، ودعا إسرائيل إلى رفع القيود المفروضة على مرور المساعدات الإنسانية، مؤكدًا أن "العمل الإنساني لا يجب أن يُرتهن للصراع السياسي أو العسكري".

وأشار تيدروس إلى أن القيود الإسرائيلية لم تقتصر على المعابر فقط، بل طالت أيضًا المواد المخصصة لإعادة بناء النظام الصحي.

 وقال: إن "المساعدات الطبية، بما في ذلك الأدوات الأساسية لإقامة المستشفيات الميدانية، صودرت عند الحدود بدعوى احتمال استخدامها لأغراض عسكرية"، متسائلًا: "كيف يمكن بناء خيمة لعلاج الجرحى إذا صودرت الأعمدة المعدنية اللازمة لنصبها؟".

كما كشف أن آلاف المرضى الفلسطينيين ينتظرون منذ أسابيع الحصول على تصاريح للإجلاء الطبي، غير أن الرحلات توقفت تمامًا منذ أسبوعين بسبب الأعياد اليهودية، ما أدى إلى وفاة مئات الحالات الحرجة التي كانت تنتظر نقلها للعلاج، ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فقد لقي نحو 700 شخص حتفهم خلال العام الماضي أثناء انتظارهم الإجلاء الطبي.

أثرًا مستمر لعقود
ورأى تيدروس، أن الوضع في غزة يجمع بين أسوأ ما يمكن أن تواجهه منطقة منكوبة، الجوع، وانهيار الخدمات الصحية، والأمراض المعدية، والانهيار النفسي الجماعي.

 وأوضح، أن "مستويات الصدمة النفسية بين الأطفال والنساء غير مسبوقة"، مضيفًا أن "المجاعة لا تُدمّر الأجساد فقط، بل تترك أثرًا نفسيًا سيستمر لعقود".

في سياق متصل، أشار برنامج الغذاء العالمي إلى أن ضعف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي يفاقم انتشار الأمراض، فيما تواجه المستشفيات الميدانية نقصًا حادًا في الوقود والأدوية والمستلزمات الأساسية.

وأكد البرنامج، أن "الوضع الإنساني في غزة تجاوز حدود الكارثة"، داعيًا المجتمع الدولي إلى "تغيير جذري في طريقة إيصال المساعدات وضمان استمراريتها".

من جانبه، شدد تيدروس على ضرورة فتح جميع المعابر بشكل دائم أمام الإمدادات الإنسانية والطواقم الطبية، ووقف الإجراءات البيروقراطية التي تعرقل دخول المساعدات.

 وقال: "بدون العاملين على الأرض، لا يمكننا تحقيق أي استجابة فعالة، ولا يمكن للمنظمات الدولية أن تعمل وهي مقيدة اليدين".

وختم المدير العام للمنظمة حديثه برسالة مؤلمة لكنها واضحة: "ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط مأساة إنسانية آنية، بل هو إرث من الألم سيحمله الأطفال في أجسادهم وعقولهم لعقود قادمة، إذا لم يتحرك العالم الآن، فسيسجّل التاريخ هذه اللحظة كواحدة من أكبر إخفاقات الضمير الإنساني".