بي بي سي: مفاوضات شرم الشيخ الأقرب لإنهاء حرب غزة وتحقيق احتراف كبير
بي بي سي: مفاوضات شرم الشيخ الأقرب لإنهاء حرب غزة وتحقيق احتراف كبير

تتواصل في مدينة شرم الشيخ المصرية المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني ممثلًا بحركة حماس، في محاولة للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ عامين.
وتُعد هذه الجولة، وفق مراقبين، الأقرب إلى تحقيق اختراق حقيقي منذ اندلاع الصراع، رغم أن الخطة الأمريكية الجديدة التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمعروفة بـ"خطة النقاط العشرين"، ما تزال تمثل إطارًا عامًا فضفاضًا يحتاج إلى تفاصيل تنفيذية واضحة، وفقًا لما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
خطة ترامب: إطار عام واتفاقات جزئية
تشير التقارير، أن إسرائيل وافقت على الخطة بالكامل، بينما أبدت حماس قبولًا جزئيًا لبعض بنودها.
ومع ذلك، ما تزال هناك عقبات رئيسية تتعلق ببنود جوهرية مثل آلية الإفراج عن الأسرى، ونزع سلاح حماس، ومستقبل إدارة غزة، ومدى الانسحاب العسكري الإسرائيلي من القطاع.
الإفراج عن الأسرى: نقطة البداية في الاتفاق
تتضمن الخطة بندًا ينص على الإفراج عن جميع الأسرى خلال 72 ساعة من التوصل إلى الاتفاق النهائي.
وتشير التقديرات إلى أن هناك نحو 48 أسيرًا إسرائيليًا ما زالوا محتجزين في غزة، من بينهم 20 يُعتقد أنهم على قيد الحياة.
ترامب أكد -خلال عطلة نهاية الأسبوع-، أن عملية الإفراج قد تتم قريبًا جدًا، فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن العملية قد تُنجز قبل نهاية عيد العُرش اليهودي في 13 أكتوبر.
من جانبها، أعلنت حماس موافقتها المبدئية على "صيغة التبادل" الواردة في الخطة الأمريكية، بشرط توافر ظروف ميدانية معينة.
إلا أن مراقبين أشاروا إلى أن هذه الورقة تظل الأداة التفاوضية الوحيدة بيد الحركة، مما يجعل من الصعب توقع أن تقدم على الإفراج الكامل قبل حسم القضايا الأخرى.
وتتسم المفاوضات بانعدام الثقة بين الطرفين، خصوصًا بعد محاولة إسرائيل الشهر الماضي اغتيال فريق التفاوض التابع لحماس في العاصمة القطرية الدوحة عبر غارة جوية، ما أثار غضب الحركة والوسيطين الأمريكي والقطري.
ويقود الوفد الحمساوي في شرم الشيخ القيادي خليل الحية، الذي فقد نجله في تلك الغارة.
نزع سلاح حماس
تُعد مسألة نزع سلاح حماس أحد أبرز محاور الخلاف. فإسرائيل تؤكد أن هدفها المعلن منذ بداية الحرب هو القضاء الكامل على الحركة، بينما تصر حماس على أن نزع سلاحها لن يتم إلا بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ورغم أن خطة ترامب تشترط نزع سلاح الفصائل كجزء أساسي من تنفيذ الاتفاق، فإن الرد الرسمي من حماس لم يتضمن أي إشارة إلى هذا البند، مما زاد من الشكوك حول نيتها التمسك بسلاحها.
نتنياهو شدد في تصريحات حديثة على أن نزع السلاح سيتم "بطريقة سلمية أو بالقوة"، مؤكدًا أن غزة ستُجرد من قدراتها العسكرية بالكامل.
إدارة غزة المستقبلية: خلاف حول السلطة الفلسطينية
واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل تتعلق بمستقبل الحكم في قطاع غزة. فخطة ترامب تنص على تشكيل هيئة انتقالية من التكنوقراط الفلسطينيين لإدارة القطاع بشكل مؤقت، بإشراف ما يسمى "مجلس السلام" الذي يرأسه ترامب نفسه ويضم شخصيات دولية أبرزها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وبحسب الخطة، ستُسلم إدارة القطاع لاحقًا إلى السلطة الفلسطينية، غير أن نتنياهو، رغم موافقته على الخطة العامة، أبدى تحفظه علنًا على هذا البند، مؤكدًا أن السلطة لن يكون لها دور في إدارة غزة.
هذا الموقف يلقى دعمًا من أوساط اليمين المتشدد داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، التي تطالب بالإبقاء على الوجود الإسرائيلي في القطاع بل وإعادة بناء المستوطنات اليهودية فيه.
أما حماس، فقد أشارت في ردها إلى رغبتها في أن يكون لها دور مستقبلي ضمن "حركة فلسطينية موحدة"، وهي صيغة مبهمة يرى المراقبون أنها ستثير رفضًا إسرائيليًا وأمريكيًا على حد سواء.
الانسحاب الإسرائيلي: مراحل غامضة دون جدول زمني
تتضمن الخطة أيضًا بنودًا تتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وفق معايير ومراحل زمنية يتم الاتفاق عليها لاحقًا.
خريطة وزعتها واشنطن تُظهر ثلاث مراحل للانسحاب: الأولى تبقي 55% من مساحة القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية، والثانية تقلصها إلى 40%، والثالثة إلى 15%، على أن تبقى منطقة أمنية عازلة لحين التأكد من زوال أي تهديدات أمنية.
لكن النصوص المتعلقة بالجدول الزمني والحدود الدقيقة جاءت غامضة، ما يثير مخاوف من أن تستخدمها إسرائيل ذريعة لإطالة وجودها العسكري.
كما لاحظ مراقبون، أن خريطة البيت الأبيض لا تتطابق مع خرائط الجيش الإسرائيلي وأن بعض الحدود مرسومة بشكل خاطئ.
حسابات نتنياهو السياسية ومستقبله الشخصي
سياسيًا، يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة مع اتهامات بأنه يطيل أمد الحرب لضمان بقائه في السلطة. ويهدده شركاؤه اليمينيون بالانسحاب من الائتلاف إذا تم إنهاء الحرب قبل القضاء على حماس.
في السابق، كان نتنياهو وترامب قد ناقشا مشروعًا لتحويل غزة إلى ما وصفاه بـ"الريفييرا"، وهو مشروع يتضمن تهجير سكان القطاع قسرًا، لكن الخطة الحالية تمثل تحولًا كبيرًا قد يثير غضب المتشددين الذين دعموا تلك الفكرة.
كما يواجه نتنياهو محاكمة في قضايا فساد قد تُستأنف بالكامل فور انتهاء الحرب، ما يجعل بعض المراقبين يعتقدون أن فشل المفاوضات قد يصب في مصلحته الشخصية.
في المقابل، تشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن نحو 70% من الإسرائيليين يفضلون إنهاء الحرب مقابل الإفراج عن الأسرى، وهو ما قد يمنحه مكاسب سياسية إذا تحقق.
وفي كل الأحوال، سيُجبر نتنياهو على خوض انتخابات عامة في عام 2026، ما يجعل نتائج مفاوضات شرم الشيخ حاسمة لمستقبله السياسي.